خرابش أنتخابية / سهير جرادات

خرابيش انتخابية
سهير جرادات

بات جليا بعد انقضاء الانتخابات البرلمانية، والإعلان عن النتائج التي وصفت، بأنها “صادمة” ، كونها حققت إبادة جماعية بحق رموز برلمانية وسياسية وأبناء سياسيين ، وأصحاب نفوذ ومال مشابهة لتلك ” المحرقة ” الهولوكوستية.

نتائج الانتخابات شهدت عملية استبدال لأسماء لازمتنا لسنوات طويلة وجرت عملية إحلال لأسماء جدد ، بعد صدور قرار بانتهاء صلاحية أسماء كانت إلى فترة قريبة تعد “قرمية” ، ورقما صعبا في المعادلة الانتخابية ، إذ حملت النتائج رسالة واضحة بأن فترة شهر العسل قد انقضت ، وتم وضع مثل هؤلاء على الرف ، واستبدالهم ب ” قرامي” جدد .

لم تشكل النتائج صدمة للناخبين فقط ،لأن مرشحيهم لم يحالفهم الحظ ، بل أصابت الخيبة المرشحين الذين التقط بعضهم الضوء الأخضر للترشح للانتخابات ، إلا أن النتائج لم تكن بصالحهم ، بصورة أظهرت أن الأمر ممنهج لغايات إضفاء الشرعية على العملية الانتخابية ، وانتهاج طريقة جديدة مبتكرة لإقناع الناس بأن العملية الانتخابية لهذا العام غير مزورة ، وهذا سيكون مقنعا لبعضهم، حتى يأتي اعتراف بتزويرها لأحدهم بعد مغادرته الكرسي الحساس إلى كرسي الاعتراف أو الاعتراض أو المعارضة.

مقالات ذات صلة

من الواضح أن هناك تغيرا في اسلوب إدارة العملية الانتخابية ، أو كما يسميها بعضهم تصفية حسابات بين أصدقاء أصحاب طرفي المعادلة في العملية الانتخابية ، لذلك شهدت النتائج تقديم المزيد من “الأضاحي” لإقناع العوام بنزاهة العملية الانتخابية .

بعض التحليلات ذهبت إلى أن المشرع، وقع في فخ قانون الانتخاب – وبالذات ما يتعلق بتشكيل الكتل – الذي أجازوه النواب انفسهم الذي كانوا بين “الاضاحي” ، ويبدو أنهم لم يدركوا حقيقة بنوده ، وبعض النواب السابقين ممن شاركوا في العملية التشريعية التقطوا الرسالة وانسحبوا، لضبابية القانون التي تعيق وصولهم مرة أخرى إلى قبة البرلمان ، وبعضهم الآخر قرر عدم خوض غمر الانتخابات بعد أن التقط الرسالة من أولي الأمر بأن هناك تغيرا في الأسلوب المتبع ، ولم يكتف بذلك وذهب بعضهم لنشر شائعات تخصهم بأن هناك منصبا رفيعا بانتظارهم ، ليتفادوا بذلك الاستفسارات التي ستوجه اليهم حول عدم المشاركة.
ومن خلال نظرة إلى النتائج ، نلمس أن هناك شيئا مبرمجا لتفتيت القوى العشائرية مقابل زيادة الاقليات ، إذ تراجع دور بعض العشائر وعائلات بعينها، كان وجودها مشهودا في الساحة البرلمانية لسنوات طويلة ، وفتح باب التنافس والصراع بين العشائر الغاضبة على النتائج ، خاصة أن الانتخابات تجري في فترة وصفتها التحليلات الصادرة عن أولاد عمومتنا، بأن الانتخابات الأردنية تجرى في وقت أكثر تعقيدا من ذي قبل ، وفي صورة قاتمة وغير واضحة كالسابق ، حيث كانت تقوم على معادلة الحكم المدعوم من قبل العشائر ، إلا أنه في ضوء التحديات الجديدة التي يشهدها الاردن نظرا لازدياد اعداد اللاجئين ، وتفاقم مشكلة اللجوء السوري ، بطريقة تغيرت معها المعادلة .

الحالة الانتخابية التي انشغلنا بها خلال الأيام الثلاثة من الاقتراع والفرز ، انعكست على شوارعنا التي شهدت حركة سير ضعيفة، تترجم حالة ضعف الاقبال على الاقتراع، ورسمت تعابير الاستهجان على وجوه الكثيرين من النتائج التي شكلت حالة من الصدمة.
ولو توقفنا عند الإقبال الضعيف للمواطنين على الاقتراع ،لادركنا أنه دليل واضح على أن المواطنين انقسموا بين فاقد للأمل في انتخابات نزيهة وآثروا عدم المشاركة ، وبين من اختار المشاركة بطريقة التنظيم الحزبي ، ومنهم من لا يكترث بالوطن كونهم من مزدوجي الجنسية وحقيبتهم مجهزة للمغادرة في أي وقت .
الغريب في هذه الانتخابات مشاركة الإخوان المسلمين ، بعد مقاطعة امتدت لدورتين انتخابيتين متتاليتين ، لاعتراضهم على قانون الصوت الواحد والقوائم النسبية والوطن، رغم عدم اختلاف القانون الحالي عن القوانين السابقة .
هذه المشاركة والنجاح الباهر لهم ، يضعنا أمام تساؤلات عدة ، أهمها: لماذا الآن توقفت المقاطعة ؟ هل هناك قرارات تنتظر المجلس ويُفضل أن يكون “الاخوان” ضمن الموقعين عليها ؟

هناك ثلاثة مؤشرات تقف خلف نتائج الانتخابات “الصادمة” ، أو كما يصفها بعضهم بأنها ذات اخراج جديد مغاير لسابقاتها ، أول هذه المؤشرات: عدم فهم القانون بشكل جيد للمشرع الذي وقع إلى جانب المرشحين الاخرين في فخ وشرك قانون الكتل ذات الصوت الواحد ، وثانيها: المال السياسي الذي يعكس مدى الحالة الاقتصادية السيئة التي اثرت بطريقة سلبية على نفسية المواطن، ونسي معها المبادئ والقيم والأهم تعاليم الدين الحنيف ، وثالثها وهو الاهم: التجهيزات المسبقة من قبل راسمي الصورة النهائية لمخرجات العملية الانتخابية بطريقة تم من خلالها استبعاد وإبادة أسماء مقابل ايجاد وإحياء أسماء جديدة على الساحة السياسية.

ولا يفوتنا العزف المنفرد لبعض أعضاء القوائم ، التي أظهرت أن القائمة عبارة عن شخص واحد وباقي اعضاء القائمة ليسوا أكثر من حشوات ، وظهرت اعداد كبيرة من الناخبين صوتت لصالح شخص واحد فقط من القائمة ، وهناك قوائم رغم ثقلها السياسي أو الاقتصادي إلا أن جميع اعضائها لم يحالفهم الحظ.
وشهدت الانتخابات عملية قتل للحيتان التي تعيش في مناطق عمان الغربية ، رغم عدم وجود بحر وتعاني شح المياه ، كما أثبت عزوف الأثرياء عن الاقتراع، وعدم مبالاتهم بالهم الداخلي ، وأظهرت الطبقة الوسطى رغم أنها الأكثر تأثرا بالوضع الاقتصادي المتردي ضعف مشاركتها لعدم قناعتها في جدوى الانتخابات، أو عدم القناعة بالمرشحين ،أما الطبقة الأفقر فللاسف فقد انتشر بينها المال السياسي أكثر من غيرها ، والمضحك في الأمر في صبيحة الاعلان عن النتائج تعالت أصوات من أصحاب مستخدمي المال الاسود من بعض المرشحين ، وتساؤلهم أين ذهبت الاصوات التي تم شراؤها!.

ستثبت الأيام ، واعترافات المسؤولين وتصريحاتهم ، وأي تسريبات من هنا أو هناك ، صحة هذه الخرابيش أو بطلانها!!

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى