“حَبْ الوطن” / رؤى يوسف

“حَبْ الوطن”
في طريقٍ لا أدري كم كيلو من المترات يبعد عن بيتي ولا أكترثُ حتى ; فالجغرافيا باتت تحولُ بين المرء ومنبتهِ مذ أن قُسِّمت أراضينا وبات ما يسمّى بالحدود وقسمت معهُ أجسادنا ; فالعقل عربياً صاحب عروبةٍ ومجد ..والأطرافُ تسيرُ مسير الغرب دون قصد. عمدتُ أن أرفع صوت الموسيقى في سماعات الاذنِ خِلاف كل مرّة ،أرفعها فتعلوها صوت افكاري أكثر ; تتغالبان ولا تستسلم بهنّ واحدة ، وذا صوتُ سميح شقير يخالج مسامعي “إن عشتَ فعش حراً ،أو مت كالاشجار وقوفاً وقوفاً ..وقوفاً كالاشجارِ” .. ألوح ببصري بعيداً لعلّي أجدُ نظرية تفسر وقوف الانسان وهو جالسٌ في نفس المكان! تماماً كتلك البنود الصهيونيّة التي وقّع عليها من وقّع أن بني صهيون منبتهم ببلاد فلسطين وهم ما رضِعوا من ثدي ارضها شيء..

ثمّة أفكارٍ سياسية خارج حدود فهمنا وإدراكنا تُطهى بمتسعٍ ليسَ بقليلٍ من الوقت ثم تتبعهُا الندوات والمؤتمرات الصحفية وتُقدّم لنا على طبقٍ بما تبقى من بريقِ زيفهم ; لكن هناك ما هو سقفهُ المنطق ، لا تأبه أن تعلو فكرة إلا ويصطدمُ رأسُها به . أن تملأ ضحكات الطاغين غرفة تخلو من كلّ شيءٍ إلا طفلٍ بآخر زاوية بها يأنِّ رعبا وجوعا ، أن يُطحنَ الانسان في وطنه .. بتهمة حُب الوطن! احدثك عن تحولهِ إلى أرقام ؟ أم مستهدفٍ لبارودة تحت مسمى “مخربون” ! يخرج زعيمهم فوق دبابة أو على متن طائرة .. لا يهم ، فكلاهما صُنعا لسفك دم شعبٍ دافع عن زيتونة وبيّارة أرضه ، ليخبرهم عن زرع كمائن جديدة في حلقات الذاكرين والمصلين في المساجد ، أو بين اولئك الغافين سهوا في ما تبقى من بيوتهم .. يفيقون فزعاً على صوت قرع الباب وهو يواري خلفهُ صوتا أجشاً تلفحهُ همجية :” افتح الباب ..افتح بسرعة” . فما أن تكاد تلقف يداهم مقبض الباب إلاّ وتتمدد أمامهم جثة شهيدٍ آخر وعليها لا يتطلب سوى النحيب والبكاء تتلوهم زغرودة .

وها هو عزاؤهم في ما يغني شقير “ارمِ حجرا في الماء الراكد تندلع الأنهار”.. وشهيداً يتلوه شهيداً قد كان مدججاً بالأمل لعل النصرَ على يديْ -يحدّثُ نفسه- فيرمي ذرات كفاحه مجتمعة على هيئة حجر لتغتاله رصاصة اجنبية استقر مكانها حيث يسكنُ وطنه تماماً ، في صدره .
وتتوالى النكبات ولا يسعفهم حينها إلاّ كفاً مخضباً بدم ابنائهم قد رتلو الآيات الأخيرة عليهم .. والسلام الأخير .. والحضن الاخير .. والقبلة الأخيرة .. ليرفعوه إلى ربهم يستغيثون ومن ذا الذي يسمعكِ اُماه ، أعرباً اشقاء جارت عليهم السنون فأخذو في لهوٍ يلعبون ؟ شبابا قد ضاع منهم كلّ شيء إلا سذاجتهم .. ويأتي على حين غفلةٍ نفس السؤال “أهناك نظرية تفسر وقوف الانسان وهو جالسٌ في نفسِ المكان!” بل ويواري سوء افعالهِ بظلالها ،وحدها اماهُ .. وحدها تجاعيدُ جدّي تذكرْك ! وذاك الطفل الذي جلس مقابل والده يرقبُهُ بشغفٍ كيف يعصبُ على جبينهِ كوفية ويلثّم بها وجهه هاتفا نصراً أو شهادة..
ويبقى أبناؤكِ فلسطين يؤمنون أن الأمل طاقة .. وهل تُفنى ؟

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى