حمية الجاهلية / رقية غرايبة

لا يلام العبيد على عبوديتهم في الزمن الماضي ، كالعبيد الأفارقة الذين استعبدتهم امريكا فلم يكن بأيديهم حيلة فلقد كان العبد مسلوب الإرادة ومقهورا ، كما أن تحقيق الحرية يحتاج الى وعي جماعي
لكن اللوم والذل يقع على من يضع بمحض ارادته و اختياره الأغلال في عنقه ويكبل رأيه وعقله وقلبه بالقيود والأصفاد
ففي الجاهلية كانت تأخذهم حمية الجاهلية والتعصب لقبيلتهم فكانوا ينتصرون لإفراد قبيلتهم بغض النظر ان كان ظالما او مجرما فانتماء الفرد للقبيلة يعطيه حق النصرة حتى ولو كان على باطل او ظلم
وفي وقتنا الحاضر ما زالت حمية الجاهلية تعشش في قلوب وعقول بعض الأفراد – وللأسف فئة كبيرة منهم من المثقفين – لكن في صورة جديدة ، كانت حمية الجاهلية قديما أحسن صورة من صورتها في وقتنا الحاضر فلقد كانت أواصر القرابة هي التي تربطه بقبيلته وكما ان قبيلته لا تخذله ، لكن في زماننا هذا تأخذ الحمية الجاهلية شكل التعصب لنظام معين او لحزب معين فيبرر هؤلاء العبيد جرائم النظام او الحزب وقتله وتشريده لشعبه وامتهانه لكرامتهم ولحريتهم بحجة ان هذا النظام او هذا الحزب يمثل الممانعة والمقاومة ويدعمها
فلو سلمنا جدلا انهم فعلا يدعمون المقاومة لعيون المقاومة ، فهل هذا يمنحهم صكوك الغفران لكل جرائمهم ويبيح لهم قتل الأطفال والنساء ويبرر لهم الإجرام والتعذيب والتشريد ….. أليس قتل فرد واحد بريء فيه ظلم واجرام فكيف بمن يقتل ويعذب ويشرد شعبا كاملا ؟؟؟
فمن قواعد الكرامة والحرية التي أرساها الاسلام أن ننتصر للحق اينما كان لأنه حق وان نحارب الباطل لأنه باطل وهذه القاعدة تجعل عند المؤمن رؤية بأنه يتمكن من تبين أوجه الحق وأوجه الباطل في نفس الشخص الواحد فالحكم يكون على الفعل والسلوك لا على الشخص فلا كمال ولا قدسية لشخص معين فكل انسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا الأنبياء
فتقديس الأشخاص وإضفاء الكمال عليهم بل جعلهم آلهة لا يخطئون والاعتقاد بأن الحكمة تنبع من كل أفعالهم وسلوكهم هذه أقبح صور العبودية والتبعية لأن فيه الغاء للعقل والمنطق وإقفال للقلب ، والظلم والعبودية ان يقبل الانسان بإرادته أن يكون من القطيع الذي يسير على غير هدى ولا كتاب منير
وهذه الطريقة في التفكير هي انحراف واختلال في الموازيين العقلية وهذا الاختلال سيكون الموجه لسلوك الفرد وستنعكس آثاره على تعامله في بيته وعمله ومجتمعه وسيكون بؤر الفساد والظلم لأن ميزانه يرتكز على طبيعة العلاقة التي تربطه بالأشخاص لا على الحق
فالحق هو الذي يتبع لا الأشخاص والباطل هو الذي يحارب لا الأشخاص وكل انسان يجتمع فيه حق وباطل وخير وشر وان كانت الأمور نسبية
والإنسان الذي يملك الشجاعة والعدالة والحرية والعقل والإيمان هو الذي ينكر الباطل حتى لو صدر من أحب الناس اليه ويعترف بالحق حتى لو صدر من عدوه فلا يتبع الهوى في حكمه ورأيه

قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا }سورة التساء 135
وقال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } سورة المائدة 8

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى