حكي جرايد / يوسف غيشان

حكي جرايد

إياكم و”حكي الجرايد”، لا تصدقوه، وإلا حصل لكم مثلما حصل مع المواطن العربي، في زواية من زوايا ارجاء الوطن العربي الممتد بين قارتين ، بلا مبرر.
إنه مواطن عربي بائس ومقموع، وعاطل عن العمل، تصفح بعينيه الجريدة التي يحملها جاره في المقعى البائس ،فقرأ عنوانا كبيرا في الصفحات الترفيهية يقول(إضحك تضحك لك الدنيا). قال المواطن العربي البائس يؤنب نفسه:
– أيتها النفس غير المطمئنة، ولا القانعة ، يبدو أنك تستحقين كل ما يحصل لك، لأنك التكشيرة السوداء رفيقك الدائم ، ولا أتذكرك تبتسمين، أنظري ماذا تقول الجريدة.وإن مفتاح النجاح هو أن تبتسمي ، لا بل تضحكي للدنيا ، وسوف تضحك الدنيا لك، وتنحل جميع امورك المعقدة، ومن النواحي كافة.
لم ينتظر المواطن العربي البائس أن ترد عليه نفسه ، أو تدافع عن نفسها ، بل نظر الى كل من حوله ، وأطلقها ضحكة مجلجلة هزت أركان المقهى البائس. نظر له الناس أولا بفضول ، ثم انتبهوا الى ضحكه الهستيري الذي لا يتوقف ، فاتصلوا بالدفاع المدني ، وحضر الأمبلنس ، ونقله الى مستشفى المجانين ، وهو يقهقه.
في المستشفى ، وبعد أن تلقى المزيد من الأبر المهدئة ، أدركوا أنه إنسان عاقل ، وربما يعاني من إنهيار مفاجئ، لكنه عاقل تماما.فتركوه لينام تلك الليلة في المستشفى البعيد عن المدينة . وبعد أن سئم المواطن العربي البائس من السرير، قال في نفسه ، انه أخطأ في اطلاق ضحكته بين جماعة من البائيسن مثله، قالها ونزل الى الإستراحة، حيث يجلس الأطباء والممرضون، الذين عرفوا أنه انسان عاقل ، فرحبوا به ، وجلسوا ينتظرون خطابا متلفزا لسيادة الرئيس الثوري يتحدث فيه حول آخر المستجدات.
بعد طول انتظار ، ظهر الرئيس مبتسما على الشاشة ، وشرع في خطابه، المواطن العربي البائس قال في نفسه ، علي أن أضحك لعل الدنيا تضحك لي..وأطلقها ضحكة مجلجلة، وهو يؤشر على الشاشة ، ثم نزل على الأرض من شده الضحك .
وبأمر من الطبيب ، أمسكه الممرضون وقيدوه.وبما أن التشخيص الأولي للرجل بأنه انسان عاقل ، فقد تم تحويله الى الأجهزة الأمنية ، لأنه كان يضحك بشكل هستيري ، بينما كان سيادة الرئيس يضع النقاط على الحروف، في خطاب تاريخي يتحدث فيه عن أخر المستجدات على الساحتين العربية والدولية.
بعد ليلة في زنزانة مظلمة ، أخرجوه مقيد اليدين ، الى مدير الجهاز، الذي اندهش من جرأة هذا المواطن العتليت، وما أن دخل المواطن العربي البائس الى المكتب الفخم لمدير الجهاز الأمني، حتى فقعها ضحكة مجلجة ، حتى سقط على الأرض من شدة الضحك والدموع ترشح من عينيه بغزارة .
المدير الأمني قال في نفسه، بأن هذا الرجل أخطر مما يتوقع، وخشي أن يلومه المسؤول !ذا تعامل مع ضحكاته الهستيرية على اساس أنها مجرد جنحة، فقد ضحك على رئيس الدولة وعلى مدير الأمن العام ..لا لا…لا، هذا خطير جدا ، فحوله مدير الأمن العام من عنده الى دائرة المخابرات العامة.
المواطن العربي البائس ، قال بأنه الأن ادرك اللعبة تماما ، فالذي يحكم البلد هو الآجهزة ، وما رئيس البلاد ولا مدير الأمن العام الا مجرد منفذين للسياسات ، فالذي يحكم البلاد هو مدير المباحث العامة، لذلك ساضحك في وجهه ، فتضحك الدنيا لي ، وتنحل جميع أموري .
وما أن رأى المواطن العربي البائس مديرمباحث أمن الدولة حتى فقعها ضحكة مجلجة.ومنذ ذلك اليوم ..اختفى ذلك المواطن العربي تماما، ولم يعثر له على اثر حتى ساعة اعداد هذا البيان.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى