حكمة جليّة / ميس داغر

حكمة جليّة

كل ما تستطيع أمّ ظافر أن تفعله في نهار عيد الأم هو أن تجلس في حاكورتها من الصباح إلى المساء، تتأمّل السور العالي لمنزلها، وتفكّر في الحكمة من وراء كل ما يحدث.
في جلستها أمام السور، تتخيّل المرأة الحكمةَ كبقعةٍ خفيةٍ في الجدار. لا تجدُ إليها سبيلاً مهما حدّقت. تتحسّسُ بأصابعها جلد وجهها الخشن، المتغضّن بفعل عقار الكورتيزون، فتشتّ أفكارها للحظاتٍ في تفاصيل حياتها، قبل أن تعود للتفكير في الحكمة من وراء ما حدث ويحدث.
تُشيح بوجهها إلى طرف حاكورتها. تتأمّلُ شاهدي القبرين اللذين يفصلهما حوض ياسمين، و باب الحاكورة الذي لم يُفتح منذ آخر زيارة لها للمركز الصحي. تشعرُ برئتها تنكمشُ وتكحّ طويلا. تبصقُ بلغماً من عمق حلقها. ثمّ تعود تحدّقُ في شاهدي القبرين، فيما السؤال الكبير حول الحكمة من وراء ما يحدث، يسيطر على ذهنها.
تقف بصعوبة على قدميها. تجرّ نفسها إلى داخل البيت. تتكىء على طرف سريرها. تفتح كيس أدويتها وتُخرج بخّاخاً ترشّ منه في فمها. تستريحُ على ظهرها وتحدّق في سقف البيت. تشعر أنها حمّلت قلبها فوق طاقته. تقرّر أنها فكّت لغز الحكمة بينها وبين نفسها، ولن تُحيّر فكرها بعد اليوم في هذا الأمر مجددا. فقد لاحظت أنها في كلّ مرةٍ تفكّر في الحكمة، يزداد كيس أدويتها وزنا. بحيث أنه لم يعد لديها شكٌ في أنّ زيادة وزن هذا الكيس الأبيض المكتوب عليه “صيدلية العودة” هو أجلى حكمة من وراء حدوث كل ما حدث ويحدث.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى