جَدّتي . . / أحمد المثاني

جَدّتي . . / أحمد المثاني

لي جَدّة – كما جَدّاتكم – كانت رحمها الله و عوّضها عن تعب الدنيا و نَكَدها .. ” خزّان ”
محبّة و نبع حنان ..
فقد عاشت في زمن لم تكن إلى جانبها مخترعات تعينها على شؤون عيشها ، ممّا تنعم به نساؤنا اليوم .. فكانت تمشي على قدميها مسافات طويلة .. بين بيتها الطيني المؤلف من مساحة ، يندمج فيها مكان النوم و الأكل و الجلوس على عتباته مع جاراتها
و هنّ يروين الأحاديث و يسترجعن الذكريات .. ذكريات صباهنّ ، و تارة يخضن في أخبار الزواج و الشكوى من عمل ” الكنّات ” و تارة ، يسبحن الخالق ، و بأيديهنّ
السبحات أو ” المسابح ” المئويّة ..
حتى إذا تقاصر الظلّ و تقلّصت ” الفي” انفرط جمعهنّ ، و غبن في الازقّة و الدروب الترابيّة .. كانت جدتي تمشي مسافات كي تحضر سَطل ماء على رأسها من البئر الغربي
.. و كانت جدتي تقتصد في الماء ، كما
تقتصد في سائر شؤون حياتها .. في ماكلها
و ملبسها .. فالطعام مما تزرعه يداها من
خيرات الله .. من القمح و العدس و ما تجني منه طحينها و خبزها .. و البرغل و الفريكة .. فتأكل منه و تطعم دجاجاتها
و تدخر من محصول قمحها بِذاراً لموسم
زراعي جديد
و كانت جدتي تقتصد كذلك في لباسها ،
فلها توبان يصلحان للصيف و للشتاء
و كان لجدتي صندوق .. تودع فيه ملابسها
و أدوات زينتها .. حناءها و كحلها و مرآة
صغيرة .. و كذلك تودع جدتي ” صرّة ”
تحوي ثروتها .. تخفيها عن المتطفلين و الطامعين .. لكنها لم تكن تبخل علينا حينما
كنّا نزورها ، فكانت تبادر الى فتح الصرّة
لتنفحنا بقروش ، نذهب بها الى الدكان
لنشتري الحلوى .. الchعchبان .. وهو
لوح مصنوع من السكّر ، تزيّنه خطوط باللون الأحمر .. أو نشتري الرّاحة أو ما يسمّى ” الذوّاب ” أو ” المخشرم”
أعرف أنه من الصعب عليكم معرفة تلك
الأنواع .. و لم تعرف جدتي أصابع
المارس أو السكنرز .. و لم تعهد ما يصنعه
الأخوين تويكس !!
كانت جدتي تعيش حياة البساطة .. التي
هي أقرب للسماء و الأرض .. ايمانها بربها
لم يكن بحاجة للشيوخ ” النجوم ” في
المحطات الفضائية .. و لم تكن بحاجة
لمتفلسف ، ليثبت لها حقيقة ايمانها
كانت تستقبل نهارها بالتهليل و الحمد
و تودع نهارها بالاستغار و التسبيح
رحم الله جدّتي .. فقد كانت تزرع و
تحصد .. و تعجن و تخبز .. و تتدبر
أمور بيتها و أولادها الذين أنفقت على
تعليمهم مما ادخرته .. فكانت أعظم
من ” مخططي الاقتصاد” الذين أغرقوا
البلاد و العباد في مستنقع ” الدين العام”
و فتحوا أعينهم على رغيف خبزنا الذي
هو ” كفاف يومنا ”
رحم الله جدتي و جداتكم اللواتي لم
يدخلن جامعة .. و استغنين بصندوقهن
عن ” صندوق النقد الدولي ” !!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى