جولة بومبيو لتَوزيع الأدوار استعدادًا للمُواجَهة مع إيران

جولة الوزير بومبيو جاءَت لتَوزيع الأدوار استعدادًا للمُواجَهة مع إيران.. هل سيَنضم الأُردن لقَطر والسعوديّة ويُرسِل قُوَّاتِه لسورية؟ وما هِي المَخاطَر؟ ولماذا نَجزِم بأنّ الحَرب المُقبِلة إسرائيليّةٌ بامتياز وستَخسرها تل أبيب مِثلَما خَسِرت كُل حُروبِها السَّابِقة مع مِحور المُقاوَمة؟
عبد الباري عطوان
اقتصار الشَّق “الشَّرق أوسَطي” لجَولة جورج بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكي، الأولى بعد تصديق الكونغرس على ثلاث دول هي المملكة العربية السعوديّة وإسرائيل والأردن، يعني أنّها سَتكون مِحوَر الارتكاز الرَّئيسي في الخُطَّة الأمريكيّة التي سيَتم تَطبيقها بعد انسحاب إدارَة الرئيس دونالد ترامب من الاتِّفاق النَّووي الإيراني في 12 أيّار (مايو) المُقبِل.
الوزير بومبيو القادِم إلى الوزارة عَبر سُلَّم وكالة المُخابرات المَركزيّة، سيَجِد نفسه وسط أصدقائِه في الدُّوَل الثَّلاث، ولن يحتاج إلى الكثير من الجُهد لحَشدِها ضِد إيران، وانخراطِها في العُقوبات التي سيَتم فَرضها أمريكيًّا عليها، وتَشديد الرَّقابة على برامِجها النوويّة ومُحاوَلة إيقاف تطويرها لصَواريخ نوويّة، والتَّصدِّي لنُفوذِها المُتمَدِّد في المِنطَقة، ودعم أذرعة عَسكريّة، فهذهِ الدُّول الثَّلاث، أو اثنَتان مِنها على الأقل، أي السعوديّة وإسرائيل، تَقرع طُبول الحَرب، وتَستعجِل ضربَةً عسكريّةً أمريكيّةً ضِد إيران وحُلفائِها في المِنطَقة.
في مُؤتَمَرِه الصَّحافي الذي عَقدَهُ في الرِّياض بعد خِتام مُباحثاتِه مع نَظيره السُّعودي السيد عادل الجبير، قَرَأَ الوزير بومبيو لائِحة الاتّهام الأمريكي ضِد إيران، وأبرز بُنودِها زعزعة استقرار المِنطَقة، ودعم الميليشيّات والجماعات الإرهابيّة، وتَسليح “المُتمرِّدين” الحوثيين في اليمن، ونِظام الرئيس بشار الأسد في سورية، ومُمارَسة أعمال قَرصَنة إرهابيّة، وهذهِ اللائحة، القَديمة المُتجَدِّدة قد تَكون المُبَرِّر لأيِّ حَربٍ مُقبِلة، بل مُتوَقَّعة في أيِّ لَحظَةٍ ضِدها.
***
كان لافِتًا أنّ وزير الخارجيّة الأمريكي لم يُدرِج مِصر على لائِحة الدُّول التي يَزورها حاليًّا، ربّما لأنّه يُدرِك جيّدًا أنّها تتحفَّظ ولا تُريد التَّورُّط في المُخطَّط الأمريكي في سورية، وإرسال قُوّات تكون مُهِمَّتها إقامَة كيانات مُستقلِّة في شمال شرق سورية (كُرديّة وعَشائريّة سُنِّيّة) وأُخرى في جَنوبِها تَضُم دِرعا والسويداء والقنيطرة، تكون حِزامًا حاجِزًا لتأمين الحُدود مع فِلسطين المُحتلّة، وحِماية دولة الاحتلال في إطارِ خُطَط التَّقسيم الأمريكيّة على أُسُسٍ عِرقيّة وطائِفيّة.
إدراج الأُردن على جَدول أعمال هذهِ الجَولة، وجَعلِها المَحطَّة الأخيرة فيها، جاءَ مُتعمَّدًا، وخُطوةً مَدروسةً، تُحَدِّد طبيعة الدَّور الأُردني المُقتَرح في قضيَّتين أساسيَّتين، الأولى تتعلَّق بالمَلف السوري، والثانية تتعلَّق بالمَلف الفِلسطيني، ولا يُمكِن تناوُل المَلف الأخير في عمّان دون الاستماع إلى وِجهَة النَّظر الإسرائيليّة، خاصَّةً أنّ الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة مُقبِلة على زِلزالٍ يَتمثَّل في افتتاح السَّفارةِ الأمريكيّة في القُدس المُحتلّة في 15 أيّار (مايو) المُقبِل، وأنّ السُّلطة الفِلسطينيّة تَرفُض أيَّ اتِّصالاتٍ مع الإدارة الأمريكيّة احتجاجًا على قرار نقل السَّفارة.
توريط الأُردن، الذي استضافَ قبل أُسبوعَين، مُناوراتِ الأسد المُتأهِّب التي تُشارِك فيها 18 دولة بِزعامَة أمريكا وأُجرِيت قُرب الحُدود الأردنيّة السوريّة، في مِصيَدة إرسال “قُوّات خاصَّة” إلى شمال شرق وجنوب سورية سيكون مِحور مُحادَثات الوزير الأمريكي مع مُضيفيه الأردنيين، لأنّ الإدارة الأمريكيّة تُدرِك جيّدًا الكَفاءة العالِية لهَذهِ القُوّات في أيِّ حَربٍ مُقبِلة للتَّصدِّي للقُوَّات السُّوريّة وحُلفائِها الإيرانيين وميليشياتِها المَدعومةِ مِنها، وربّما القُوّات التُّركيّة أيضًا.
السُّلطات الأُردنيّة، على عَكس نظيراتِها السعوديّة والقطريّة التي رَحَّبَت بإرسالِ قُوّاتٍ إلى سورية تَلبِيةً للطَّلب الأمريكي، تَلتزِم الصَّمت، ولم تُؤيِّد أو تُعارِض حتى الآن على الأقل، لأنّها تُدرِك جيّدًا خُطورَة قرار المُوافَقة أو الرَّفض، فالمُوافَقة تعني إرسال قُوّات تُشارِك في أعمال قِتاليّةٍ طابَعُها حرب العِصابات الطائِفيّة، وفي مُواجَهة تنظيمات مُسلَّحة جيّدة التَّدريب، ومَدعومةٍ إيرانيًّا، وتَنطلِق من عَقيدةٍ أيديولوجيّةٍ راسِخة، أمّا الرَّفض، فيَعني خِلافًا مع أمريكا وحُلفائِها الخليجيين، قد تَكون أبرز تَبعاتِه وَقف المُساعَدات الماليّة في ظَرفٍ اقتصاديٍّ صَعب.
لا نَستبعِد أن تحتل الأزمة الخليجيّة حَيِّزًا في مُباحَثات الوزير الأمريكي الزَّائِر في السعوديّة، الدَّولة التي تتزعَّم التَّحالُف الرُّباعي المُعارِض لدَولة قطر، ولكنّه سيكون حيِّزًا هامِشيًّا، لأنّ الحَماس الأمريكي لحَل الأزمة قد فتر، وهُناك تَوجٌّه لاحتوائِها، طالما أنّ جميع أطرافها، مُتَّفِقَة مع المَشروع الأمريكي في مُواجَهة إيران، ومُستَعِدِّةٌ للقُبول بتَنفيذ الأدوارِ المَرسومةِ لها، وخاصَّةً السُّلطات القَطريّة التي سارَعت بتأييد العُدوان الثُّلاثي الأمريكي على سورية، وباتَت أقرَب إلى وُجهَةِ النَّظرِ الأمريكيّة مِن نَظيرَتها الإيرانيّة.
فُرَص المُخطَّطات الأمريكيّة لتَقسيم سورية في النَّجاح تَبدو مَحدودةً، ولكنَّها سَتكون مَحفوفَةً بالمَخاطِر، وربّما سَفك المَزيد من الدِّماء، دِماء القُوّات العَربيّة المُشارِكة فيها على الأكثر، لأنّ دولها لم تتعوَّد على الحُروب، وعَودَة جثامين القَتلى المَلفوفة بالأكفان البلاستيكيّة السَّوداء بأعدادٍ كبيرة، خاصَّةً أنّ هذهِ المُهِمَّات، أي القِتال إلى جانِب قُوّاتٍ أمريكيّةٍ، ولتَقسيم دَولةٍ عربيّة، تفتقر إلى المَنطِق، وتتعارَض مع القِيَم العَربيّة والإسلاميّة، ولهذا لا تَحظَى بتأييدٍ شعبيٍّ كَبيرٍ بالتَّالي.
***
لن نُفاجَأ إذا ما عاد الوزير بومبيو إلى رئيسِه الأمريكي مُحَمَّلاً بِوعودٍ عربيّةٍ بدَعم مشروع مُعاداة إيران، والمُشاركةِ في أيِّ حَربٍ بارِدة أو ساخِنة ضِدها وحُلفائِها، ورَصد المِليارات المَطلوبة لتَغطِية نفقات القُوّات الأمريكيّة التي ستَبقى في سورية، لكن ما سَيُفاجِئنا حَتمًا، هو سُقوط دول عربيّة في هَذهِ المِصيَدة الدَّمويّة الأمريكيّة الجَديدة، ودون أن تستفيد من تَجرِبة سبع سَنوات من الفَشل في هذا البَلد المَنكوب، أي سورية، وحَرب استنزافٍ دَمويّة لا تَقِل خُطورةً عن تِلك المُتأجِّجَة حاليًّا في اليمن، ودَخلت عامَها الرَّابِع قَبل شَهرين.
كُنّا نَتمنّى أن نُوَجِّه نَصائِح “مجانيّة” إلى الدُّول العربيّة التي تَستعِد لشَحن قُوَّاتِها إلى شمال شرق سورية، للإحلال مَحَل القُوّات الأمريكيّة، أو القِتال تحت قيادَتها ضِد الأشقَّاء السُّوريين والعِراقيين وداعميهم الرُّوس، ولكنّنا نَعلم جيّدًا أنّهم لن يَستَمِعوا إلينا، وغَيرنا، مِثلَما فَعلوا عندما حَذَّرناهُم من التَّورُّط في حَرب اليَمن، والانخراط في التَّطبيع مع الإسرائيليين، فإملاءات ترامب وسياساتِه الابتزازيّة، أقوَى بِكَثير من أيِّ نصائِح عَربيّة او إسلاميّة نَقولها بِمَرارة للأسَف.
نَجِد لِزامًا علينا أن نُبَصِّر الأشِقَّاء في الأُردن، الذين نَعرِفهم ويَعرفوننا جيّدًا، بمَخاطر أي انجرار مع المَطالب الأمريكيّة بإرسال قُوّات إلى سورية وللقِتال تَحت رايات الرئيس ترامب العُنصِري الكارِه للإسلام والمُسلِمين، الذي يُنَفِّذ مصالح إسرائيل في المِنطَقة، وسورية البَلد العَربي، في وَقتٍ يَستَعِد فيه لتَرؤس الاحتفالات بافتتاح السَّفارة الأمريكيّة في القُدس المُحتلَّة، وتَدشين انطلاق صَفقة القَرن، فالتَّحالُف الذي يُقاتِل لإحباط هذهِ المَشاريع الأمريكيّة في المِنطَقة سيَتَصدَّى بِقُوَّةٍ لها، لاستعادة جميع الأراضي السُّوريّة إلى سُلطَة الدَّولة، مِثلما فَعل في حلب والغُوطة ودِير الزُّور والقائِمَة طَويلة.
الحَرب القادِمة ضِد إيران سَتكون إسرائيليّة بامتياز، ولتَأمين الاغتصاب الإسرائيلي للأرض والمُقَدِّسات العَربيّة والإسلاميّة، ولن تَخرُج مِنها إسرائيل مُنتَصِرة، لأنّها خَسِرت جميع حُروبِها ضِد المِحوَر الإيراني، والجَماعات المَدعومة من قِبَلِه، في لُبنان وفِلسطين، وسورية، والحَرب المُقبِلة لن تَكون استثناء.. أو هكذا نَأمل.. والأيّام بَيْنَنَا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى