ثلاثة في واحد / يوسف غيشان

ثلاثة في واحد

آنا – والحمد لله على قول أنا – خليط عجيب يمد لسانه باستهزاء لكل قوانين الفيزياء والكيمياء وميكانيكا الكم ، فأنا مكون من ( ثلاثة نصاصي) …. نصف أعرابي ونصف فلاح ونصف مدني . وهذه الاقانيم الثلاثة تتناطح وتتمازج وتتداخل فيما بينها الآف المرات في الهنيهة الواحدة .
قد ينتهي أصحاب المنطق الصوري والهندسة الاقليدية إلى نتيجة تؤكد بأني أخطأت في الحساب… لم أُخطيء هنا ، فانا مكوّن فعلاً من ثلاثة في واحد برأس منقوش وأنف عملاق ولحية مقصوصة كيفما اتفق، وبنطلون يشق المؤخرة إلى فلقتين ، وهذا الواحد يدعى جدلاً يوسف غيشان .
الإعرابي يتقوقع بعباءة ، وينسل مع دم يوسف غيشان ، لكأنه الأفعى الصحراوية ، أعرابي بكامل حريته وتسطح عالمه الأفقي ، بعفويته وذكائه الفطري ومحدودية عالمه الذي يتوزع بين لحم البعير وحليب النوق الممزوج بالشيح والقيصوم ، والمغمس بخبز الطلامي المعفر برمال الصحراء ، أعرابي بكامل قهوته المرة ، وببارودته بعيدة المدى ونظره الثاقب إلى الأمام فقط ، الأعرابي الأشد كذباً ونفاقاً وشعراً ، ولا يعترف بأية حكومة أو مؤسسة أو وطن .
الفلاح يتسرب من ( خياشيم ) يوسف غيشان مع خبز الطابون وسجائر ( الهيشي ) الملفوف بمهارة نادرة ، المتلمظ بالمخيض وخبز الصاج وهو يحلم بالحلاوة والكعكبان ، منجعياً على جاعداً وشبريته تحفر الأرض كأقدام حصان هائج أمام عسكر ” العصملي ” الذي يحتال عليهم الفلاح بإخفاء عدة شوالات من القمح ، بجلسات السمر على البيادر ، بشواعيبه متعددة الأغراض وغرابيله وكرابيله وشياهه الدائرة على ( حلّ) شعرها . بخوفه المبطن من أي عسكري ، باحتيالاته الصغيرة وأحلامه الأصغر ، بسواليف ( الحصيدة ) ونقل أوتاد الأرض بعد نوم المعزّب ، بالسيجة الملظومة بالحجارة على باب دكان القرية الوحيد ، القرية التي تلوح كالنتوء على أطراف الصحراء لكأنها ( ثؤلولّ) في وجه عروس عجفاء .
المدني بـ قاءاته المغناج وأحلامه بالوظيفة والسفر بالطائرة واحتساء النبيذ في مطعم فاخر ، بملاهيه بقهوة الصباح خفيفة السكر ،مع (البيتي فور ) أو ( الكرواسو ) ، بإعجابه الأحمق بمنظره في المرآة بعد الحلاقة بشفرة ثنائية المفعول . بسجائره المفلترة الفائحة بصفاقة، بالخبز المنفوخ والمحمّس ، بزوجته المغندرة بلا مبرر وترتدي كعباً طويلاً مُوهمة الآخرين بأنها مرتاحة تماماً ، وهي تحجل كالناقة النفساء. بجُبنه ، بعشقه الشديد للدولة ومؤسساتها ورغبته الدائمة في الانضمام إلى ” السلك ” .
هذا الخليط المضاد لقوانين الطبيعة وللمادية التاريخية وللرأسمالية والإقطاع والمشاعية – من الأولى وحتى الثالثة عشر – ، هذا الخليط ينتج هذا الكائن الحاصل على دفتر عائلة ، هذا الكائن الماركسي أكثر من ماركس القومي أكثر من قحطان ، المتدين أكثر من راهب ، الملحد أكثر من وثني .
هذا الغربي أكثر من فرانسوا ميتران ، الشرقي أكثر من فلاح صيني ، هذا الذي يرتجف أمام أية امرأة كالعصفور ( المبلول ) …. يحتقرها ويحبها ويبعدها ويغتصبها بنظرة ، ويخاويها ويطلب يدها للزواج في الوقت ذاته الذي يمسك فيه القلم كالمخرز ،أو كالخنجر …. هذا الجبان المتهور ، الشجاع المرعوب المرعب المتحفظ .
هذا الخليط العجيب هو يوسف ميخائيل عودة يوسف صالح سليمان عواد الغيشان العزيزات .
هذا الذي يشبه أربعة ملاين أردني لكأنهم نسخة كربون .
من كتابي (شغب) الصادر عام 1993
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى