ثقة وديمقراطية بنت ستة وستين / د. عبد الفتاح طوقان

ثقة وديمقراطية بنت ستة وستين

من مقارنة ممارسات الديمقراطية في الأردن والدول الديمقراطية الحقة نجد انه ليس بوسع الأردن ان يتباهى بها.

على الأرجح فأن مجرد قضية “منح وحجب الثقة ” للحكومات المتتالية شاهد علي الدور الذي تلعبه الأجهزة الأمنية في تشكيل الحكومة وهيكلتها وفي اجتيازها المسرحي لجسر العبور الي “الدوار الرابع” حيث مركز الحكومة.

وبدون ادني شك هذا التدخل، الذي استمر لوقت طويل من تاريخ الأردن، ساهم في طريقة طهو وسلق الديمقراطية، وتقديم عينات فاشلة نهجا وفعلا، وانتشرت أساليب وعادات ابعد ما تكون عن حقيقة ما يريده الشعب وما يحتاجه الوطن.

مقالات ذات صلة

من المفترض ان منصب النائب والوزير من المناصب المهمة في الدولة الأردنية، ومن المناصب المتميزة التي تخدم الوطن والشعب ولكن بطريقة الإخراج تلك لم تعد ذات ميزة. بل انها مضيعة للوقت ومركزية ضيقة تربط بعض من النواب والوزراء، كل واحد منهم، برديف يصدر له التعليمات ويقرر له مسبقا في جميع القضايا وعلى مستوي المحافظات الدور الموكل اليه سواء تأييدا او معارضة.

وإذا لم يحوزوا على استحسان الرديف فلا عوده لهم لمناصبهم، وإذا نجحوا في الحصول على رضاه فعدد سنواتهم غير مرتبطة بمن يرأس الحكومة، هم دائمون رغم حراك الشعب والمطالبة بطردهم واقصائهم ومحاسبتهم، وهم بذلك لا قانون الانتخابات، ولا ما يريده الشعب يحكم على وجودهم وبقائهم من عدمه.

هذه الكيانات السياسية الصغيرة غير مستقلة، كما هي الحكومة أيضا، لذا المساومات تقتل الديمقراطية وتلغيها، وتتناقض معها وهو ما يعود على الوطن بالخسارة ويبعد الأردن عن ارثه القديم ودستوره العظيم.

المشاورات واللقاءات المتنوعة لرئيس الحكومة المكلف مع عدد من الأحزاب السياسية والكتل النيابية وبعض من نقابات مهنية وحتى الشخصيات الوطنية من المفترض ان تكون لضبط ملامح الحكومة قبل عرض برنامجها للحصول على الثقة، لا ديكورا ورفع عتب.

واقصد أصول الديمقراطية ان بيان الحكومة يجب ان يكون مستمدا من الشعب وملامسا لواقعه وحاملا للحلول وليس انشائيا مفروضا عليه.، نصفه مجتزئ مسروق من مقدمة بن خلدون مثل قراءه نصف الآية: لا تقربوا الصلاة دون اكمالها، ونصفه الاخر تكرار بلغة عاطفية مجرورة من فشل حكومات سابقة.

في الديمقراطيات الحقيقية يتم توزيع على أعضاء المجلس النيابي قبل افتتاح الجلسة المخصصة للتصويت على منح الثقة للحكومة ملفا يتضمن مختصرا لبرنامج عمل الحكومة وتعريفا موجزا بأعضائها ومؤشرات أدائهم وماذا سيقدم كل منهم.

وفي الديمقراطيات المتقدمة يتولى رئيس المجلس النيابي التقديم الموجز لموضوع الجلسة. ثم تحال الكلمة لرئيس الحكومة المكلف الذي يقدم عرضا موجزا لبرنامج عمل حكومته ولأعضاء حكومته المقترحة ثم تحال الكلمة بعد ذلك لأعضاء المجلس في حدود الوقت المخصص للنقاش العام في تلك الجلسة. وتسند الكلمة بعد ذلك لرئيس الحكومة المكلف مجددا للتفاعل مع تدخلات أعضاء المجلس وترفع الجلسة ثم تستأنف في نفس اليوم للتصويت على الثقة، لا يتم تأجيلها أسبوعا لحين ترتيب اعمال الرديف وتلقي تعليماته.

الشعب الأردني شعب ذكي، شعب يعي كل ذلك ويعي التلاعب المدروس المبرمج، ويعي ان النتيجة معروفة سلفا ومطبوخة على طريقة السلق السياسي، ولا تحتاج الي توصيات وحوارات ومناقشات وشعارات وأحاديث فهي ثقة متوقع حصول الحكومة على سته وستين صوتا، مع فارق صوتا او صوتين، وهي نفس الثقة التي سبق منحها للحكومة السابقة التي طردها الشعب.

فلماذا كل هذا المهرجان المسرحي وإضاعة الوقت؟ التفويض هنا باطل من جهة ومن جهة اخري مسلك الحكومة مغلف بالشبهات حيث انها بذلك تريد ان تجمع اغلبيه برلمانية مصطنعة بحكم الرديف لتتفادي سقوطها ولتغطي على ضعف اغلبيتها وضعف وزرائها وهو ما يتنافى مع الأنظمة والأساليب الديمقراطية.

هذه الديمقراطية المفتعلة تلغي امتحان الثقة، وتمد رئيس الحكومة بورقة الغش لاجتياز الامتحان، وتنفي الاقتناع الكامل بالحكومة، فاين الاخلاقيات؟

بوسع الأردن ان يتمتع بديمقراطية مثيرة للإعجاب لكن للأسف علينا ان نعترف ان الديمقراطية تلك تركز على بعض أجزاء معزولة وتلغي صلاحيات السلطة التشريعية، انها ديمقراطية ظالمة بنت ستة وستين.

aftoukan@hotmil.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى