لا تصدقوا شعار ‘ الحرب على الارهاب ‘ (١)‎ / طاهر العدوان

لا تصدقوا شعار ‘ الحرب على الارهاب ‘ (١)‎
القس جاك هامل البالغ من العمر ٨٤ عاما يجلس في أمان مع رعيته داخل كنيسته فيدخل عليه شابان فرنسيان من أصول عربية اسلامية فيختطفاه كرهينة ومن كان معه ، لينتهي الامر بهما الى ذبح القس بسكين بعد ان أعلنا مبايعتهما لخليفة داعش . وفي تعليق على الجريمة ذكرت وسائل الاعلام ان هذا القس الانسان من المناصرين لاستقبال اللاجئيين في بلاده ، وانه كان قد تبرع مع رعيته بقطعة ارض في بلدته سان إتيان لبناء مسجد عليها وذلك في العام ٢٠٠٠ ، في ألمانيا يقدم لاجئ سوري على ذبح امرأة بمنجل ثم يعلن بانه يبايع الخليفة . وقبل هولاء استقل شاب فرنسي من اصل تونسي شاحنة في نيس ليدهس بها عشرات النساء والأطفال والرجال الذين قضوا وهم في ذروة فرحهم وسعادتهم ، وفي بلاد الرافدين والشام لا حرمة لروح امرأة وشيخ و طفل فالقتل بالجملة اصبح عادة يومية والسؤال هو : من اين جاء هولاء الارهابيون بكل هذا التوحش ؟.
هذه الجرائم الدنيئة لم تترك لعقول الباحثين الفرصة في استقصاء الأسباب والظروف السياسية والمجتمعية ، التي أنتجت كل هذا التوحش غير المسبوق . عندما يسمع العربي والمسلم أنباء جرائم الارهاب يسارع بالقول بان الاسلام برئ منها ومن مرتكبيها وهذا اعتراف بان المتضرر الاول من الارهاب هو الاسلام والمسلمين . مع ذلك لا نرى ردة فعل رسمية في الدول العربية والإسلامية ( غير كلمات الادانة المكرورة ) ولا ردة فعل شعبية تتناسب والحجم الكبير من الضرر والاساءة التي يلحقها الارهاب بالإسلام كعقيدة ، وبالمسلمين الذين باتوا يصنفون في كثير من المجتمعات بانهم ارهابيون او مشروع ارهابيين !.
وكأن العقل العربي قد أرهبه الارهاب فاخذ اجازة تنقله من حالة الدفاع عن دينه وعن سمعته كإنسان الى مرحلة التعايش مع الارهاب وجرائمه والتسليم بها وكأنها قضاء وقدر لا راد لهما . حتى المشاعر في الشارع العربي والإسلامي ادخلت في ثلاجة . فاذا كان الفرنسيون يهتزون كمجتمع ودوله من وحشية ذبح قس في دار عبادته ، فان العربي والمسلم لا تهتز له شعرة هو يرى مئات الأطفال والنساء والرجال من ابناء قومه يقتلون بوحشية في عمليات تفجير شبه يومية على يد داعش واخواتها وعدواتها ، وكأن العربي يعيش في غرفة إنعاش فاقد الوعي ، يعيش خارج الواقع ، مع انه يأكل ويعمل ويشرب ويمشي في الاسواق !.
لا تصدقوا كل هذا الكلام الذي تسمعونه من العواصم العربية عن انخراطها في الحرب على الارهاب ، انه تماما مثل الكلام والشعارات التي كُنتم تسمعون عنها في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي والتصدي للخطر الصهيوني ” تسمع جعجعة ولا ترى طحنا ” . شعارات الحرب على الارهاب لا تصدقوها،، لان الانظمة التي تغتصب حرية شعوبها وتستمد شرعيتها من الخوف والتخويف لا يمكن ان تكون صادقة ولا قادرة على مواجهة الارهاب . بل انها تستثمر الارهاب ووحشيته لتبرر قمعها ومصادرتها لحريات مواطنيها وحقوقهم السياسية والانسانية .
لا تصدقوا هذا التحالف الدولي ضد الارهاب فمن يريد القضاء على الارهاب لا يدعم الطغاة وعصاباتهم في تدمير المدن وتهجير الملايين وقتل مئات الالاف! ومثلما ان الحرية لا تتجزا كذلك الجرائم ضد الانسانية.
الانظمة مستفيدة من ارهاب يرهب العقول بأفعاله وجرائمه الوحشية ، لانه يحول بين الناس وبين البحث عن الإجابة الشافية في اسباب ظهور هذا السرطان ، او قل الانتحار الجماعي للأمة وقيمها وكرامتها وإنسانيتها .. ارهاب يحول دون البحث عن اسباب هذا التوحش وعلاقته بالبيئات السياسية والاجتماعية والثقافية ، او تحديد الدور والمسؤولية الإقليمية والدولية عن وجوده وتعاظم مخاطره وانتشار جرائمه ..
الانظمة لا تريد الاعتراف بان الارهاب مشكلة داخلية، مشكلة هوية الحكم في كل بلد ، وانه ثمرة الاستبداد والفساد والتخلف في النظام السياسي ، انه نتاج عقود من الزمن تعمدت فيه الانظمة تغييب المجتمع المدني والحط من مكانة المواطن واستلاب حقوقه وتركه نهبا لكل تيار ظلامي متطرف او مغامر يسعى الى جرفه نحو العدم والفوضى ، لان المواطن في الأصل لا يعرف معنى وقيمة الدفاع عن حريته واستقلال وطنه وكرامته ، ان فاقد الشئ لا يعطيه ولا يعرف قيمته .
الارهاب مشكلة داخلية حتى في فرنسا وغيرها من بلاد يعيش فيها ملايين من المواطنين من أصول عربية واسلامية لم يعرفوا ، هم ولا آباؤهم معنى الكرامة والإنسانية في بلادهم الأصلية ، ولا هم عرفوها في ضواحي المدن الفرنسية حيث التهميش والعنصرية والبطالة والمخدرات . لقد كشفت ملفات الإرهابيين في فرنسا انهم لا يفقهون من الاسلام شئ ، ولا يحفظون من القران ما يلزم لاقامة صلاة ، لكنهم ذوي خبرة كبيرة في السرقة والمخدرات والسوابق الجرمية الاخرى .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى