” تملق !!” / د . محمد شواقفة

” تملق !!”

في زمان بعيد و قبل الانترنت و قانون الجرائم الالكترونية و قصص اغتيال الشخصيات …. ذهب أحد الفلاسفة و اسمه ” ارستيبوس” – و هكذا كانت اسماؤهم بدون ذكر العشيرة أو المنطقة الجغرافية- لزيارة صديقه الفيلسوف ” ديوجين”…
دخل عليه في مسكنه المتواضع البسيط …. و وجده رغم كبر سنه و مرضه يحاول تجهيز طعامه البسيط بنفسه… فبادره ساخرا: هل يعجبك هذا الحال الذي انت عليه ؟!… انظر إلي و أنا أقل منك شأنا و حكمة و تراني أنعم بحياة مترفة و لي علاقات مميزة مع الحاكم و رجال الدولة …. لو أنك تتعلم مني لتغير حالك و لن تضطر للعيش على العدس بقية حياتك…. أجابه ديوجين بإزدراء: لو أنك تعلمت أن تعيش على طعام مثل العدس لما أحتجت أبدا ان تتملق الحاكم ابدا !!!
سألني صديقي ….. ألا تكذب ؟!…. فقلت له : بلى و لا أعتقد أن حياتنا خالية تماما من الكذب …. فنحن نكذب كثيرا عندما نلتقي أحدا صدفة … و نبالغ في إظهار الشوق … نكذب كثيرا في ابتساماتنا أو ادعاء أن كل شئ على أحسن ما يرام …و شاع هذه الايام المجاملات الالكترونية بالتعليقات و الاعجابات و تبادل المشاعر و التي يختلط فيها الجد بالهزل و الصدق بالكذب … ” بكم تزهو المناصب ” …” أنتم أهلا لذلك”…” ترقية مستحقة “…. ” الله خلقك و كسر القالب “…” انت تمثلني”… و لن اقول ان ذلك كله تملق او نفاق …. و لن ادعي ان كل من يفعل ذلك كضرورة اجتماعية يفرضها عليه محيطه للتعايش و الاستمرار هو منافق … لكنه فعلا درجة مخففة من ما اسماه البعض ” كذبة بيضاء ” …” الكذب المباح”….” الكذب الاضطراري”….او ” الكذب الرسمي”… او نختصره بمصطلح جديد ” التملق الاجباري”.
هل علينا ان نتملق لكي نتسلق؟!…. اعتقد انه بات من الصعب ايجاد بيئة خالية من هذه الحالة من الشخصية المزدوجة …لا أقول انفصام شخصية و لكنها حالة متطورة من تعدد الشخصيات … و فعلا قد يكون الكذب في بعض الحالات خيارا أفضل من قول الحقيقة … و ربما يكون صادما ان تخبر مريضا بحقيقة مرضه الذي لا شفاء منه … أو ان تنقل اخبارا سيئة عن عزيز …. أو ان تعتقد ان الصدق فيه مهلكة و ضرر عظيم ….اجاب احد الجنود الجبناء عندما سألوه : هربت فغضب الأمير عليك؟ فقال الجبان: يغضب علي الأمير وأنا حي أحب إلى من أن يرضى وأنا ميت!!

ماذا يدور في عقل أي أحد عندما يتملق أي كان؟! …. و خصوصا ان الذي يستقبل التملق يعرف اكثر من اي احد آخر ان هذا كله كذب و تملق …
قال علي كرم الله وجهه لاحد المنافقين: ” أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك ”

“دبوس على التملق”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى