” تغيير جلد ” / د . محمد شواقفة

” تغيير جلد ”

حقيقة علمية مذهلة ان الانسان يغير جلده كل 27 يوم ….يعني طبيعي ان ترى أي إنسان مختلف بعد أقل من شهر …. اللافت للانتباه ان الانسان اسرع من الزواحف بتغيير جلده و هذه حقيقة قد تكون غير معروفة للكثيرين.
كنت ايام الصبا و الشباب زائرا غير منتظم لسوق “الاسكافيه ” و هم مصلحي الأحذية … لكي لا يظن احدا من الجيل الجديد ان هذا نوع من المشروبات لتشابه اسمه مع نسكافيه و كابتشينو و الخ من الامور المستحدثة…. و قد كنت أغير النعل كخطوة أولى و أحاول اطالة عمر الحذاء ما أمكن …. ليس فقط لضيق الحال و لكن لأنني أكون تعودت على الحذاء و هو تعود علي …. فلن يكون سهلا تغيير جلد الحذاء الا للضرورة القصوى ….
عندما كنت ذات مساء في صيدليتي – مشروع الشباب الفاشل – مر بي أحد البحارة و هو مصطلح راقي ” للمهربين” و عرض علي جاكيتا من الجلد و راح يقنعني بأن هذا جلد أصلي …. و صدقا لم تك ظروفي تسمح كثيرا بشراء قطع فاخرة و بسعر عالي لذلك حاولت التملص منه بحجج مختلفة و لكن كان سببي انه مهما نزل في السعر فانني غير راغب بشراء أي شئ غلا أو رخص ثمنه ….فحاولت التشكيك بأن الجلد ليس أصليا … فما كان منه الا أن استل ” قداحته” و عرض طرف الجاكيت للنار . … في محاولة يائسة لاقناعي بانها جلد اصلي … و قد أدت تلك التجربة الى احتراق طرف الجاكيت … طبعا عندها رضخ لشروطي مرغما و اشتريتها بسعر بخس… فقد كان الجلد كما توقعت غير أصلي أو أن طريقة الاختبار غير مناسبة ….
في جميع الحالات كان الجلد هو المتغير الوحيد و لكن ” الحشوة” هي ذاتها …. فاذا الطبيعة غيرت الجلد في اقل من شهر …. و الحذاء تحت ضغط الاستخدام المتواصل ناهز على بضعة شهور …. و الجاكيت رغم فشله في الاختبار الحسي فقد بقي معي لعدة سنوات …
ما نشهده من تقلبات في الاراء و تحولات في المواقف تشابه الى حد كبير تغيير الجلود بانواعها …. و لكنها ايضا تعدت ذلك الي تغييرات في “الحشوة”…. فطبيعي ان تنتقل المعارضة الى سدة الحكم … و ان يكون بطل الامس فاسد اليوم …. و من كانت تشير كل أصابع الاتهام إليه بأنه فاشل يصبح عراب مسيرة الاصلاح …. و ان يصبح جزار الامس و مجرم الحرب الذي تلطخت يديه بالدماء …عنوان المرحلة القادم و لا حل سواه … و ان تطل علينا من كانت تنتقد اداء الحكومات تباعا و دون هوادة لتقنعنا بأن الانتظار سيد الحلول …. و ان يتحول اصحاب الفكر و التفكير الى حالة من الصمت المريب …. و من كان يطالب بالاصلاح و محاربة الفساد … تجده في أول طوابير المهنئين لمشروع منتفع جديد .. و ان يصبح من ثبت فشله و فاحت رائحة فساده من علية القوم … تشرئب له الاعناق اذا حضر و تجود بقريحتها الشعراء في وصف مناقبه التي يجهلها…
ان تترك كل ما آمنت به و حاربت لأجله …. لتكتسب صورة بائسة مع معاليه أو عطوفته أو سيادته …. فتضعها على جدار خيباتك المتواصلة …
تغيير جلدك فحسب قد يكون حتميا و ضروريا و قد تفرضه عليك الظروف و لكن اياك و ان تضيع هويتك و تفقد بوصلتك … فلا حذاؤك الجديد الفاخر سيجعلك أكثر قبولا و لا الجاكيت الفخم المقاوم للنار سيمنحك أفضلية …. أذا غيرت جلدك …تذكر أن ” الحشوة ” هي أنت فعلا ….

” دبوس على المتقلبين ”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى