تصدير / المحامي خلدون محمد الرواشدة

تصدير
أمس جاءتني بنت الجيران ، فتاة تتشارك بعمرها مع الزهور ، وتتناوب مع القمر عند غيابه ، قالت لي وأنا كالكسير والمصاوب والجريح عندما اجتاحتني ألوية الجدائل: “عمو معلش تكتبلي موضوع تعبير”؟! .
سألتها بخوف الأسير المأسور بالأهداب من صرامة السجان : عن ماذا ؟!
فقالت لي : عن أهم صادرات الوطن العربي.
لم تربكني كلمة عمو ، ولم تربكني الشيبات اللاتي نبتن على أطراف الرأس ، كما لم يربكني وميض عيونها كلما نظرت إليها ، بقدر ما أربكني الموضوع.
ترى ماذا سأكتب إليك يا صغيرتي ، وأهم صادراتنا العربية هو الحزن ، كيف ستفهمين وأنت شعلة من الفرح، بأن أكثر شيء صدرناه من مئة عام هو الحزن ، نحن أساسا ننتجه بكميات هائلة ومخزوننا منه لا ينضب.
يا صغيرتي … نحن نصدر الحزن والخوف والوهن لكل مكان وفي كل زمان ، هل ترين كل هذا الحزن المنثور في كل البقاع … وفي الوجوه وفي العيون وحتى على الملامح والثياب ، نحن من نصدره … ونصدر كذلك اللجوء والبشر … خذي مثلا فلسطين كعينة .. وخذي العراق … وخذي الشام. وما أصعب الحزن الذي يصنعه اللجوء.
يا حبيبتي …. الوطن العربي لا يصدر شيئا سوى الحزن واللجوء ، فلا تصدقي ما تقرئيه في الكتب أو تسمعيه في نشرات الأخبار ، عن الثروات والمعادن والنفط والخضار … ألخ ، كلها مختومة بليبل الحزن وموسومة بشعار الحزن ومدفوعة بضريبة اللجوء، ومردودها لا يعود على أمثالنا إلا بالحزن وكسرة الخاطر.
آه يا صغيرتي … ما أصعب أن نكتشف بأن أهم صادراتنا العربية ليست إلا حزنا ولجوء … وأننا لا نقوى على تصدير قطعة واحدة … واحدة فقط … من الفرح.

Khaldon00f@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى