تسعُ ساعاتٍ سِمانٍ / كامل نصيرات

تسعُ ساعاتٍ سِمانٍ
ما أنا الآن إلا جبالٌ من الذكربات..! لله درّك يا (أبا مؤمن) كيف جئتَ على حين غفلةٍ و جعلتني أتسلّق معك تلك الجبال وأنا اللاهث من خطوتين إن مشيتهما على درج العمارة التي أسكن طابقها الرابع ..لكن بتسلّقي معك جبال الذكريات الشاهقة أوّل أمس ؛ لم ألهث و لم أتعب و لم أشعر بعطشٍ ولا جوع ولا بطلب استراحة ..!
علاقتي بـ (الشيخ إبراهيم أبو ديّة) تمتدّ لستٍ و عشرين سنة..منذ اكتمل شاربي و نضجت لحيتي و كان عقلي يلتهم الكتاب تلو الكتاب ..نصف السنوات الأولى كان (أبو مؤمن ) أحد شركائي الاستراتيجيين في التورط مع الحياة و نقاشها تفصيلاً تفصيلاً ..نقاشاً لا يقف عند حد ولا يعترف بحاجز ولا يقف عند حياء ولا يردعه خوفٌ أو ارتباك..
كان شريكي في كثير من المقالب عالية الجودة ..كنتُ أورّطه معي ويقبل أن يتورّط و نحنُ نضحك آخر الليل في (مشينا) اليومي لساعات في شوارع قريتنا (الكرامة)..ولا أذكرُ مرّةً أننا تخاصمنا خصام الفراق رغم أنّي أيامها الشاب العشريني وهو الأربعينيّ وفارق العمر كفيلٌ بأن يوقفني عند حدودي معه و لكنّه غلّب معي المثقفَ لديه على أية عادات و تقاليد ؛ لذا أعترف بأن أدين له بكثير من النضوج المبكر و بكثير من المراجعات الفكريّة التي كنت لا استسلم لها إلاّ بالحجج الدامغة..
في السنوات العشر الأخيرة ؛ لم تعد علاقتي بإبراهيم أبو ديّة كما كانت من حيث التواصل ..هو انشغل في أشغاله المتشعبة إلى حين استقراره في التعليم بالسعوديّة ..و أنا سرقتني الكتابة الصحفية اليومية و عمّان التي رحلتُ إليها غريباً وما زلتُ غريباً فيها..و صرنا ناداراً ما نلتقي ..ولقاءات مسلوقة سلقاً ..
أوّل أمس زارني إبراهيم ..لم يمكث طويلاً ؛ فقط (تسع ساعاتٍ متواصلة)..من السابعة مساءً حتى الرابعة فجراً ..لم أكن أودّ مغادرته وعندما نظرتُ في عينيه وهو يستأذن بالانصراف ؛ عيناه كانت تقول أريد البقاء كمان و كمان ..! تسعُ ساعاتٍ سمانٍ..استحضرنا : النساء و الرجال والأفكار و الضحكات و كثيراً من الذكريات الخانقة و المقالب التي كلّما رويناها سبقتنا دموعنا وسط الضحك ..!
لله درّك يا أبا مؤمن ؛ ماذا فعلتَ بي بساعاتك التسع السمان ..لقد فتحتَ لي وعليّ خزائن الجبال ..وها أنا أضحك و أبكي ..وأنت الآن – بعد أن انتهت الزيارة – وسطَ طلابك في السعوديّة..!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى