تراجع التعليم في تغريدة الملكة / موسى العدوان

تراجع التعليم في تغريدة الملكة

أطلقت الملكة رانيا العبد الله تغريدة عبر صفحتها على الفيس بوك، حول خيبة أملها من مخرجات الخطط التعليمية، ختمتها بالعبارة التالية وأقتبس:

” فلتكن هذه النتائج، رغم خيبة أملنا، حافزا وحتى تزيد من إصرارنا على أولوية التعليم. تقاذف المسؤولية ليس حلا . . الحل يكمن في المضي معا بعملية تطوير متكاملة، عناصرها سياسات التعليم والمدرسة والمعلم والمنهاج والأهالي . . . لذا أدعو كل فرد في المجتمع لأن يكون جزءا من الحل. فلكل منا دور وعلى كل منا مسؤولية “. انتهى الاقتباس.

وبما أنني أحد المواطنين في هذا المجتمع الذين طلبت منهم الملكة أن يكونوا جزءا من الحل وتحمل المسؤولية، فأجد من واجبي أن أستجيب وأدلي برأيي في هذا المجال، لعلمي بأنها ترحب بالحوار وتتقبل الرأي والرأي الآخر.

مقالات ذات صلة

فمن المعروف أن العلم هو السبيل لتقدم الأمم والجهل هو سبب تخلفها، لاسيما وأن ديننا الحنيف يحث على العلم والقراءة، وكانت أول سورة من القرآن الكريم نزلت على الرسول ( ص ) هي ” سورة اقرأ “. وما تطرقت له الملكة في تغريدتها هو موضوع خطير، يلقي بظلاله على مستقبل أجيالنا الحالية واللاحقة، وينعكس بالتالي على نهضة الوطن إيجابا إذا أحسن استغلاله.

وقبل النظر في حل أي معضلة ( أو خيبة أمل )، لابد من البحث عن أسبابها، ومعرفة الحيثيات والأساليب التي تم إتّباعها، وأدت مخرجاتها إلى تلك النتائج المحبطة، في مسيرة الوطن ومستقبل أبنائه. ويجب أن يكون الهدف منها، أخذ الدروس والعبر لتجنب الوقوع بمثلها في المستقبل.

فعند المقارنة مع الدول التي كانت فيها نسبة الأمية، أعلى من الأردن بدرجات قبل بضعة عقود، نجد أن الأولى انتهجت خططا تعليمية فعّالة، نقلتها من التخلف إلى التقدم وأصبحت في طليعة الدول الصناعية، ومن أبرزها دول جنوب شرق آسيا. وبالمقابل وضع جهابذة التخطيط التربوي لدينا خططا من بينها ما يلي:

1. خطة المسارات التسعة بعد الثانوية ( علمي، أدبي، معلوماتي، صحي، شرعي، صناعي، زراعي، الخ … ، ثم جرى تحويلها فيما بعد إلى مسارات ثلاث فقط ( علمي، أدبي، ومهني )، ولكنها باءت بالفشل جميعها.

2. خطة وزير التربية والتعليم الأسبق خالد طوقان، الذي كان قد أدخل أنظمة الحاسوب إلى المدارس دون توفر أساسياتها، وبقيت في معظمها مخزونة في المستودعات المدرسية دون استعمال. ثم اتخذ قرارا تجهيليا ألغى من خلاله رسوب الطلاب في المراحل الابتدائية، وأصبح تدريس الأطفال يبدأ بالصورة والكلمة لا بالحرف، الذي هو المكوّن الأساسي للكلمة. فأنتجت هذه القرارات 22 ألف طالب أمي في الصف الثالث الابتدائي، في مختلف مدارس المملكة لا يقرأون حرفا واحدا.

3. مبادرة مدرستي التي أطلقت عام 2008، بهدف تحسين بيئة التعليم من الناحيتين المادية والتعليمية في المدارس الحكومية، وخاصة في المدارس الأقل حظا. فأين مخرجاتها في تحسين التعليم، بعد ثماني سنوات من إطلاقها ؟ ولماذا غاب ذكرها في التصريحات الرسمية ؟ ثم أين جمعية جائزة الملكة رانيا للتميز التربوي ؟

الفشل في التعليم كان واضحا منذ سنوات، ليس في المواد العلمية فحسب، بل في اللغة العربية والتاريخ وغيرهما. ولكننا دفنا رؤوسنا في الرمال، وأقنعنا أنفسنا زورا بأن التعليم لدينا بمستوى جيد. ولتأكيد ذلك فإنني سأستشهد بأقوال الوزير، الذي يتربع حاليا على رأس وزارة التربية والتعليم:

بتاريخ 8 / 3 / 2013 صرح وزير التربية والتعليم الدكتور محمد ذنيبات: ” بأن مسار ( الإدارة المعلوماتية ) الذي كان قد أقرّ في عهد الوزير خالد طوقان لا يعلّم الطالب شيئا، ولا يوائم متطلبات سوق العمل، كما لا يفيد الطالب في دراسته الجامعية، وأن المنهاج فيه نواقص ويركز على مهارات قليلة الأهمية، وليست معارف تهم الطالب. كما أن عددا من طلبة المعلوماتية يتعثرون في دراستهم الجامعية “.

ثم شخّص الوزير ذنيبات في حينه أسباب تراجع قطاع التربية، حيث قال: ” إنها تمتد لعشر سنوات سابقة، أي منذ تسلم طوقان حقيبة التربية والتعليم من عام 2000 – 2007، من خلال دخول الأهواء في اتخاذ القرارات، والبعد عن الميدان التربوي، والاجتهادات غير المبنية على دراسات، والتغيير السريع للوزراء، وغياب المؤسسية “.

الوزير الحالي ذنيبات، يدّعي أنه اطّلع على تجارب دول أخرى مثل: فنلندا، سنغافورة، اليابان، وكوريا الجنوبية، وخرج بخطة جديدة لإصلاح التعليم تمتد حتى عام 2025. فهل علينا أن ننتظر حتى ذلك الموعد، دون أن نعرف النجاح المبدئي لتلك الخطة، ليخبرنا معاليه بعد 8 سنوات، إن كانت خطته قد حققت أهدافها أم فشلت بها ؟

تقول الملكة أن عناصر تطوير العملية التعليمية هي: سياسات التعليم، والمدرسة، والمعلم، والمنهاج، والأهالي، وهذا كلام صحيح ولا غبار عليه. ولكن المسؤولية الرئيسية في المحاور الأربعة الأولى، تقع على عاتق الحكومة، لأنها هي من تضع سياسة التعليم، وهي من تبني المدارس وتزودها بالوسائل التدريسية ووسائل الراحة الضرورية، وهي من تهيئ المعلم الكفؤ وتدفع له راتبه، وهي من تقرر المناهج وتعدلها على مزاجها، كما حدث في الآونة الأخيرة. أما الأهالي فعليهم التعاون ومراقبة وتوجيه أبنائهم لما ينفع مستقبلهم. وبهذه المناسبة أحب أن أروي القصة التالية:

في عام 1982 كنت ملحقا دفاعيا في سفارتنا بلندن. وكنت قد سجلت أطفالي الثلاثة والذين كانت أعمارهم تتراوح بين 10 و14 سنة في مدرسة إنجليزية اسمها ( بيشب سكول ) . وعندما كنت أعود إلى المنزل بعد انتهاء الدوام، أجدهم يشاهدون التلفزيون ولا يطالعون دروسهم كما هي عادتنا في الأردن. أزعجني هذا الوضع فقابلت مدير المدرسة بعد إسبوعين من الطلب. وبينت له أن الأولاد لا يطالعون دروسهم لعدم وجود كتب مدرسية لديهم.

فأجابني المدير بأنهم يتلقون دروسهم في المدرسة، ولا حاجة لمتابعة دروسهم في المنزل. ورغم تأكيدي له بأن الأولاد يدرسون لغة ثانية ليست لغتهم، إلا أنه أصرّ على عدم تزويدهم بكتب مدرسية، ولكنه زودهم بكتيبات صغيرة تحوي قصصا بسيطة خارجة عن المنهاج المدرسي. وأمضوا سنتين على هذه الحالة، وكانت نتائجهم الدراسية في النهاية جيدة. فهل يمكن أن نصل في يوم من الأيام إلى هذا الأسلوب في التدريس بمدارسنا الأردنية، ونعفي الأهالي من مهمة التدريس الشاقة ؟

فشل التعليم في رأيي يكمن بشكل رئيسي في السياسة التعليمية الحكومية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تنجح الخطط التعليمية الحكومية في معظم الدول ولا تنجح عندنا ؟ يبدو أن أهم سبب لهذا الفشل، يكمن في من يضعون السياسات التعليمية، دون خبرة عملية لهم بها، خاصة إذا كان بعضهم يحملون تخصصات أخرى لا تمت للتعليم بصلة، فتخرج خططهم نظرية غير قابلة للتطبيق.

والمثال على ذلك أن الدكتور طوقان يحمل تخصصا في الهندسة النووية وليس في النواحي التعليمية ولكنه أشغل منصب وزير التربية والتعليم لمدة 7 سنوات. ولو وضعت تلك الخطط من قبل أساتذة مارسوا التعليم فعليا لفترات طويلة، فمن المؤكد أنها ستحقق الهدف المنشود، على أن تجري متابعة تنفيذها على مراحل متتابعة تجنبا للتوهان.

لا شك بأن التعليم في المراحل الابتدائية يحظى بأهمية كبيرة، لأنه يشكل القاعدة الأساسية للمراحل الثانوية اللاحقة. فالدول التي نجحت في سياساتها التعليمية، كانت تؤكد على أن المعلم الذي يدرّس الصفوف الابتدائية، يجب أن يكون حاصلا على الشهادة الجامعية الأولى، إضافة لاشتراكه بدورة مدتها أربع سنوات يتعلم خلالها أساليب التدريس الناجعة.

إن الخطأ الكبير في خطط التعليم وغيرها من الخطط الحكومية الأخرى هو، أن لا رقابة ولا متابعة لتلك الخطط، وكذلك لا محاسبة لمن يضع خططا فاشلة، لاسيما وأن نتائجها السالبة لا تظهر إلاّ بعد سنوات، وحينها تطبق مقولة عفا الله عما مضى. فلماذا لا يحاسب وبأثر رجعي من خرّب التعليم ودمّر أجيال المستقبل ؟ ومن وعد بتحويل الرمال ذهبا، لكنها بقيت رمالا يصعب السير عليها ؟ والوزير الذي وقّع اتفاقية الغاز مع مصر قبل سنوات، ولم يحدد مصدرا بديلا وموازيا له، الأمر الذي أوقعتنا في مشكلة دفع ثمنها المواطنون ؟

لقد رأينا كيف تتم محاسبة المقصّرين في الدول المتقدمة. أما في الدول العربية فقد أحال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، 14 موظفا على التقاعد دفعة واحدة، عندما وجدهم متأخرين عن الدوام الصباحي وخدمة الجمهور قبل بضعة أشهر. وفي بريطانيا استدعى البرلمان أحد المهندسين للتحقيق، وهو الذي وضع تصميما لأحد الجسور في لندن عام 1927، وظهر به تشققات بسيطة عام 1972. إلا أن المهندس أثبت دقة تصميمه، وبيّن بأن توقعات الحكومة في ذلك الوقت لكثافة السير بعد 35 عاما لم تكن دقيقة، الأمر الذي أعفاه من المحاكمة.

هكذا تتصرف الدول التي تسعى للنهضة والتقدم. فقد آن الأوان لوضع الخطط والبرامج المستقبلية بعد دراسة دقيقة، ومن ثم متابعتها على مراحل تتناسب مع تقدم تلك الخطط. ولابد من محاسبة كل مقصّر في واجبه وبأثر رجعي مهما كان موقعة، تطبيقا لمبدأ تلازم السلطة مع المسؤولية، لكي ننهض ببلدنا إلى مستوى الدول المتقدمة . . فقليل من القطران يشفي ظهر الجواد العليل . . !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى