تحرير العبيد في الإسلام / د. هاشم غرايبه

تحرير العبيد في الإسلام

في تجاهل فاضح للتاريخ الحقيقي، ينسب المتحيزون الفضل في تخلص الإنسانية من أقسى آثامها وهو استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، ينسب أولئك الفضل الى الأوروبيين، سواء كانوا ممثلين بالثورة الفرنسية أو الأمريكية على يد “لينكولن”، في القرن التاسع عشر.
والحقيقة التي سأبين تفاصيلها تالياً، أن ذلك تم على يد الإسلام ابتداء من القرن السابع، وأنجز قبل أن يفطن إليه الأوروبيون بقرون.
صدر إعلان “لينكولن” عام 1863 ، وفي بريطانيا أجاز البرلمان القانون عام 1936، لكن الغرب أغفل تماما أن الدولة العثمانية كانت السباقة قبلهم، فقد أصدرت مرسوما بتحريم الرقيق قطعيا عام 1855 وطبق فورا، فيما استغرق تنفيذ المرسوم الأمريكي قرنا كاملا، ومع ذلك فالتمييز ما زال قائما.
يأخذ المتعصبون المعادون للدين عليه أنه لم يصدر تشريعات قاطعة تحرم العبودية تحريما فورياً مثلما فعل بالزنا والربا وغيرهما، بل اتبع نهجا مختلفا وهو التدرج في برنامج يفضي الى القضاء عليه.
كان بإمكان الله تعالى أن يرسل مع النبي قوة قاهرة للبشر فيفرض عليهم اتباع دينه وتطبيق شرعه بلا نقاش، لكنه لم يختر المصادمة الراديكالية مع المفاهيم السائدة، وقلبها عنوة، بل الإقناع بالحجة العقلية والدليل المقنع بتغييرها، بدافع المصلحة والمنطق، فجاء الإسلام كعقيدة ترتكز على الإقتناع (الإيمان)، بهدف أن يصبح المسلم المؤمن داعية متطوعا لإقناع غيره.
كانت العبودية نظاما سائدا زمن نزول الرسالة الإسلامية، ومن غير الممكن اقتلاعها قسرا لأن مصلحة السادة وأصحاب النفوذ في بقائها، ولم يكن سهلا مساواة العبيد بالسادة بين ليلة وضحاها، فقد كانت مصادر العبودية كثيرة، منها :
1 – الحروب
2- الخطف للصغار والنساء من قبل اللصوص وقطاع الطرق.
3 – ارتكاب الجرائم الخطيرة كالقتل والسرقة والزنا، فكان العرف السائد أن يحكم على مرتكبيها بالاسترقاق.
4 – العجز عن سداد الديون ، كان يحوِّل الفقراء المدينين إلى أرقاء لدى الأغنياء الدائنين.
5 – تفشي الفقر المدقع، وسلطان الوالد على أولاده كان يبيح له بيعهم، جاء في العهد القديم: “إِذَا بَاعَ رَجُلٌ ابنته كَأَمَةٍ، فَإِنَّهَا لاَ تُطْلَقُ حُرَّةً كَمَا يُطْلَقُ اْلعَبْدُ “[ 21 : 7 ] سفر الخروج
6 – النسل المولود من كل هؤلاء الأرقاء يصبح رقيقا .
7 – الضرائب: كان المحتلون الأوروبيون يفرضون الضرائب الباهظة على سكان مستعمراتهم ومن لا يستطيع الدفع كانوا يأخذون أحد أبنائه لبيعه في سوق الرقيق لسداد ما عليه.
8 – العنصرية : وهو اعتقاد بعض الشعوب أو الامم انهم العرق السامي أو السيد، وان شعوب الدنيا الاخرى هي شعوب حقيرة عليها خدمته، فها هو “مونتيسيكيو” منظّر الثورة الفرنسية (مبعث فخار الأوروبيين وملهمة العلمانيين) يقول في كتابه “روح القوانين” مبينا حجته في استعباد السود: ” وحاشا لله ذي الحكمة البالغة أن يكون قد أودع روحاً أو على الأخص روحاً طيبة في جسد حالك السواد”.
لقد وضع الإسلام برنامجا من ثلاثة أوجه للقضاء على الرقيق: أولها يتعلق بتحسين ظروف معيشتهم واحترام آدميتهم(خولكم إخوانكم)، وثانيها بقطع منابع الرق فأوقف عادة السبي في الحروب، فليس هنالك نص تشريعي يوجب استرقاق الأسرى، (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا”[محمد: 4])، وجرّم كل وسائل الإسترقاق الأخرى، وثالثها جعل عتق الرقاب عبادة وتقربا الى الله وكفارة وأحد مصارف الزكاة الثمانية.
وهكذا كان الدين بمبادئه العظيمة يلغي العبودية بين الناس، فيصهرهم بالحالة الأسمى وهي أنهم عباد لله جميعا، فلا يفضل بعضهم بعضا إلا بالتقوى، فكان الناس يدعون بلال الذي كان عبدا حبشيا بسيدنا، فيما ينادون أبا جهل سيد أشراف قريش بعدو الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى