تبني القضايا بالقطعة! / شروق جعفر طومار

تبني القضايا بالقطعة!
شروق جعفر طومار

في أكثر من حادثة خلال الفترة القصيرة الماضية، يتكرر وبشكل ملفت قيام المسؤولين في عدد من الجهات الرسمية بالإيعاز يتوفير اللازم لحالة إنسانية ما، إثر مناشدات من صاحب الحالة وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، والمؤسف أن معظم تلك الحالات لم تطالب سوى بواحد من أبسط حقوق المواطن.

ففي بداية الأسبوع الماضي ومع عودة الطلبة إلى مدارسهم بعد العطلة الشتوية، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي رسالة من ولي أمر أحد الطلبة إلى مدير مدرسة حكومية، يطلب فيها الأب من المدير أن لا يعاقب إبنه لعدم حيازته للقرطاسية المطلوبة بسبب ضيق ذات اليد وسوء الأحوال المعيشية.

عقب الانتشار الكبير للرسالة التي عبرت عن حال الكثير من المواطنين، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن تبنيها لحالة الطالب وتأمين ما يحتاجه من مستلزمات مدرسية، دون الالتفات إلى غيره من الطلبة ممن يعانون مثل معاناته أوربما أكثر ولكن ذويهم لم يقوموا بالكتابة عن تلك المعاناة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم نسمع بإيعاز من وزارة التربية لإدارة المدارس بالعمل على توفير ما يحتاجه الطلبة المحتاجون من خلال ما يسمى” بالحوزة المدرسية”؛ وهي عبارة عن مبالغ ماليّة مرصودة في المدارس الحكومية لتأمين القرطاسية لمن لا يقدر على تأمينها.

مقالات ذات صلة

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتحرك فيها المسؤول أو الجهة المعنية استجابةً لحملة على السوشال ميديا، فقبل هذه القصة بيوم أو اثنين، أطلّت والدة أحد الطلبة من ذوي الإعاقة من خلال فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تشكو بسخط شديد رفض عدد من المدارس استقبال طفلها بسبب اعاقته، فما كان من وزير التربية والتعليم إلا أن أوعز بقبول الطالب في أحد المدارس التي تتوفر فيها البيئة اللازمة لذلك.

وقبل هذه القصة وتلك، كانت قصة الطفلة ميرا التي توفيت قبل مباشرة علاجها بإيعاز من رئيس الوزراء على نفقة الدولة حيث رفضت المستشفيات الحكومية استقبالها، بعد حملة مناشدة كبيرة للنظر بحالتها.

في الحالات الثلاث المذكورة لم تكن شكوى المواطنين سوى لعدم تمكنهم من الحصول على حقوق أساسية يكفلها الدستور ويُلزم القانون مؤسسات الدولة بتقديمها، لكن ما حال بين المواطنين وبينها سوء الإدارة وانعدام الرقابة لدى المؤسسات المعنية بتقديم الخدمات المطلوبة، وتفشي حالة من التبلد واللامسؤولية لدى معظم العاملين بها.

مرت هذه الأحداث، واكتفى المسؤولون بالإيعاز بتبني الحالات المذكورة، دون أن نسمع عن أي إجراءات أو خطط من شأنها تصحيح الوضع القائم بحيث يحصل المواطن على حقوقه بشكل سلس وتلقائي، ومرت أيضاً دون أن يوعز نفس المسؤولون بالوقوف على أسباب عدم قيام المؤسسات المعنية بواجبها تجاه هؤلاء المواطنين.

إن تكرار مثل هذه الأحداث، والاستمرار في الاكتفاء بمعالجة الحالات التي تلجأ إلى إعلان معاناتها على الملأ عبر كل الوسائل المتاحة، دون حل المشكلات التي أدت إلى نشوء تلك المعاناة، يحمل في طياته ما يستوجب التساؤل حول جدية المعنيين بتحمل المسؤولية والرغبة الفعلية بإصلاح حقيقي لأوضاع البلاد المستمرة بالتردي والخراب.

كما أنه سوف يكرس لدى المواطنين اعتقاداً بأن احتياجاتهم ليست على سلّم أولويات متخذي القرار في الوطن، وبأنهم لن يتمكنوا من الحصول على حقوقهم في هذا الوطن دون اللجوء إلى الاستجداء والمناشدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى