تأثير الفراشة / معاذ شقور

تأثير الفراشة
في الأدب الغربي هناك قصيدة تقول:
For want of a nail the shoe was lost
For want of a shoe the horse was lost
For want of a horse the rider was lost
For want of a rider the battle was lost
For want of a battle the kingdom was lost
And all for the want of a horseshoe nail
ويمكن أن نلّخص ترجمتها في جملة قصيرة مفادها أن مسمارا قد يتسبب في سقوط مملكة، وهذا ما يعرف بنظرية “تأثير الفراشة” وهي نظرية فلسفية قد تستخدم في الفيزياء وغيرها من العلوم لتوضيح أثر الأحداث الصغيرة في تغييرات كبيرة ونتائج جسيمة لم تكن متوقعة لتلك الأحداث، وهو ما عُبّر عنه بمصطلح تأثير الفراشة وأن رفرفة جناحيها في مكان قد يحدث أعاصيرا في مكان آخر، لأن رفرفة هذه الأجنحة الصغيرة تحدث تيارات من الهواء ستتعاظم شيئا فشيئا إلى أن تشكل تيارا قويا، وهو بالطبع تعبير مجازي لهذه النظرية.
وكان أول من لاحظ هذا التأثير هو عالم الأرصاد الجوية الأمريكي “إدوارد نورتون لورنز- Edward Norton Lorenz”، حيث كان يبحث في نظرية الفوضى (الشواش) والتي من رحمها ولدت هذه النظرية، ووجد أن إهمال بعض الأرقام البسيطة والتي ليس لها تأثير أبدا في نتيجة الرصد قد تؤدي في النهاية إلى تغير نتيجة الرصد كليا وبشكل غير متوقع، لذا أصبح من البديهيات في علم الأحوال الجوية والطقس أنه من الصعب التنبؤ بحالة الطقس لفترة زمنية طويلة، ويعود هذا إلى إمكانية حدوث بعض التغيرات الطفيفة في الطقس حاليا والتي قد تكون سببا في تغيره بشكل كلي في وقت لاحق.
وإن أردنا البحث في الواقع المُشاهد من حولنا على تطبيقات لهذه النظرية فالأمثلة كثيرة، فعلى سبيل المثال من كان يتوقع أن صفعة وجهتها شرطية لشاب بسيط يدعى محمد البوعزيزي في تونس يمكن أن تؤدي لسقوط نظام بن علي، ثم أصبحت الثورة التونسية إلهاما استوحت منه الشعوب العربية ثوراتها في الربيع العربي.
وهل كان جورج بوش الابن وتوني بلير يتوقعان أن الادعاء بوجود أسلحة للدمار الشامل في العراق ثم غزوه لوأد هذا التهديد في مهده سيؤدي بعد سنوات إلى إشعال بؤرة صراع تطاير شررها ليكون تهديدا للعالم أجمع.
إذا لو تأملنا في حياتنا وواقعنا وتاريخنا سنجد آلاف الدلائل العملية على “تأثير الفراشة ” وأن كثيرا من الأفعال غير المهمة في بداياتها قد أدت إلى عواقب وخيمة ونهايات غير متوقعة في السياسة وفي الاقتصاد وغيرها من مجالات الحياة بل وحتى على الصعيد الشخصي.
وهنا ينبغي أن نؤكد أنه ليس بالضرورة أن تكون جميع المآلات للأفعال سلبية، فكما أن مسمارا قد أسقط مملكة فإن هناك مسمارا آخر يدق في صرحٍ من شأنه أن ينهض بالأمة، وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق” فمن يدري فقد تكون هذه الابتسامة سببا في اسعاد شخص سيسعد العالم أجمع فيما بعد.
وفي النهاية وبعد كل ما ذكرناه في الأعلى أظن أننا قد أدركنا مقدار الأثر الذي قد أحدثه أنا وقد تحدثه أنت في المجتمع، فمبادرة فردية يمكن أن تحدث أثرا كبيرا، وهي في الأصل فكرة طرأت على ذهن شخص، لكن لم يهملها بل حولها لحقيقة، وهنا يبرز العظماء، الذين باستطاعتهم تحويل الأحلام والأفكار والخيال إلى واقع، وعلى صعيد آخر مقالة يمكنها أن تحيي الهمم، ودرسٌ قد يسمو بنا إلى القمم، ورفرفة أجنحة الفراش قد تحدث ربيعا آخر يحقق الحلم المنشود.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى