بوبوس / سهير جرادات

بوبوس

شخصية “بوبوس” الجدلية ، في القصة التي ألفها للسينما الكاتب يوسف معاطي، وقام الفنانان عادل إمام ويسرا ببطولة الفيلم، تجسد مفهوم إدارة الفساد من قبل الفاسدين، الذي يعد القاسم المشترك لجميع أشكال الفساد، والشريك الاستراتيجي والرسمي بملفات الفساد.
تبدأ حكاية الفيلم بالسماح لأصحاب الشخصيات المقربة من الرأس المدبر، الذي يرعى الفساد وينظمه إنشاء مشاريع وهمية ، تعتمد على القروض البنكية المحلية، على أن تبقى هذه المشاريع حبرا على ورق ، ولغايات الدعاية والإعلان يتم تعيين عدد من العمال فيها، ونظرا لتعثرها، وعدم قيامها بعملها، تعجز إدارة المشاريع عن سداد البنوك، التي تضع يدها على هذه المشاريع؛ ضمانا لحقها، وذلك لا مناص من إغلاقها، و تسريح العاملين فيها، وحرمانهم من مصدر رزقهم .
ولغايات الاستمرار بعجلة الفساد، يتم انتهاج سياسة الدمج بين المشاريع الخاسرة؛ لتتوسع فوهة الفساد، وتعظم الخسارة ، وتتم أيضا عملية جدولة القروض لتلك المشاريع المتعثرة؛ لتسهيل الحصول على قروض جديدة، والتي لا تتم إلا بعد الموافقة صاحب السلطة، كبير الفاسدين، والرأس المدبر، والراعي الرسمي لكل أنوع الفساد، وتكون مشاركته في المشاريع مشروطة، بحفظ حصته عن طريق تلك الشخصية الرمز التي يعمل الجميع لصالحها، وتوجد صورتها داخل إطار يزين مكتب المسؤول ، ويطلق عليه اسم ” بوبوس”، وهو الذي يجنى الأرباح دون تعب؛ لأنه يمتلك السلطة، والقدرة على فتح الأبواب أمام المستثمرين الوهميين؛ ليجنوا أموال القروض المتعثرة، التي تصب في النهاية في جيب العقل المدبر للفساد.
الفيلم يظهر العلاقة القذرة بين السلطة والمال؛ من خلال السير بعملية إعادة الهيكلة، والمشاريع التنموية الوهمية المتعثرة، التي توفر فرصة للفاسد الصغير ليكبر، ويتطاول على أسياده ، ويتمرد على راعي الفساد، مطالبا برفع نسبته في الأرباح ،مما يضطره إلى تأديبه، وإلقائه بالسجن، مع حفظ الجميل له بالسماح له بالهروب إلى عاصمة الضباب، أو سجنه في فيللا على ضفاف البحر، أو في سجن (خمس نجوم) ، يسمح له فيه باستقبال الزوار، ويمكنه من إدارة أعماله.
وما ان تنتهي الدروس المراد تلقينها للفاسدين، حتى يتم الافراج عنهم ، لتعود العجلة للعمل من جديد ، ولو تغيرت الشخصيات التي ترعى الفساد ، إلا أن الاسلوب يستمر لتقاسم قوت الشعب، والمهم أن يبقى ” بوبوس ” هو القاسم المشترك في جميع مشاريع الفساد المتعثرة، والشعب هو المتضرر الذي تُنهب أمواله، ويُحارب في رزقه، وتتبخر مقدرات بلده أمام عينيه، ولو فكر بالثورة تقوم القيامة عليه، ويتم الاستقواء عليه ، فلا يدعمه، ولا يسانده ” بوبوس ” الراعي الرسمي لعمليات الفساد، فيما يبقى المواطن مقهورا مظلوما مسلوب الحقوق، ويبقى الفاسدون يهددون استقراره، واستقرار بلده .
أما الرعاة الرسميون للفساد فلا يكترثون للأمر، ويظلوا يرددون عبارة: ” نحن نرى، ونحن أدرى “، فيما يظل المواطن ينشد:” بلادي، وإن جارت علي…….. .” .
باختصار ….هذه قصة الفساد، وكيف تدار غرفة عملياته، وسلامنا إلى “بوبوس” …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى