بلد مش فاضي إيحك راسه / يوسف غيشان

بلد مش فاضي إيحك راسه

ليس نادرا، ما تجد خلال تجوالك في أي مدينة أو بلدة أردنية ، الكثير من أبواب المحلات والدكاكين المكتوب عليها عبارة : (لليع لعدم التفرغ) وبعضهم يصعد في العملية الدرامية ويكتب: (للبيع بسبب السفر). وتتكرر هذه المشاهد لدرجة أنك تعتقد أن نصف الشعب الأردني غير متفرغ، والنصف الاخر يصفّي بأعماله وينوي السفر من غير رجعة (ون وي تيكت).
الغريب أن الكثير من هذه المحلات لم يتم افتتاحها ألا قبل اشهر تعد على اصابع اليد الواحدة، وما تزال انت تتذكر تلك السماعات التي تنطلق منها أغان (تسمى وطنية) وهي تخترق الفضاء بأصواتها المرتفعة ناهيك عن القهوة السادة لـ(مرّاق الطريق) والوربات والببسي للجالسين على الكراسي (أغلبهم أطفال من أقارب صاحب المحل المفتتح)، لا بل أذكر اني شاهدت مثل هذه اللافتة في مدينتي مادبا،وقد كتبها صاحبها على مطعم للفوارغ والكرشات ، كنت متفائلا بإفتتاحة ، لكنه كتب لافتة : (للبيع لعدم التفرغ) قبل إنهاء ورشة الديكور في ذلك المطعم.
غالبا وليس نادرا ، ما يكون هذا المحل شبيها بعشرات المحلات المفتتحة في ذات الشارع (بيع موبايلات، نوفوتيه، مطعم شعبي،ملابس ستوك،إكسسوارات….. وخلافه)، وليس هناك أي جدوى اقتصادية من افتتاحه اصلا في هذا المكان، وليس هناك اي ابتكار طبعا….فقد نفتتح المحلات من قلة الشغل ، وغالبا، وليس نادرا، ما يتكون التكلفة مستدانة من مؤسسات اقراض شبه حكومية أو من مؤسسات إقراض المشاريع الصغيرة ، وغالبا، وليس نادرا، ما يتم التوقف عن دفع الأقساط قبل افتتاح المحل، وتتراكم الفوائد والأقساط.
ومع ذلك لا نجد حرجا من كتابة عبارة : (للبيع لعدم التفرغ) على أساس أن لدينا الكثير من المحلات الناجحة التي نديرها ،لدرجة انها لا تترك لنا مجالا للتفرغ لهذا المحل العظيم (يا هملالي). وغالبا وليس نادرا ، ما يشتري هذا المحل اشخاص فاضيين اشغال ، وبعد اشهر نجدهم يعلقون لافتة جديدة على المحل تقول: للبيع لعدم التفرغ..وهكذا دواليك… لدرجة صرت اعتقد ان لافتة (للبيع لعدم التفرغ) هي أكثر لافتة مرفوعة في هذا الوطن الجميل.
الغريب أننا ندير البلد في السياسة والاقتصاد والتجارة والزراعة بذات عقلية للبيع لعدم التفرغ ، ونبدأ بمشاريع اقتصادية او سياسية ، لا ضرورة لها وبدون جدوى اقتصادية أو سياسية ، ثم نعرضها للبيع ، ونتوقف عن دفع الأقساط ، ثم نبيع بتراب المصاري ، وتتراكم علينا الديون ، ولا نكتفي بذلك، بل نستدين مرة أخرى ، ونشتري محلات اخرى كانت تحمل ذات اللافتة ، لنعلق تلك اللافتة ذاتها بعد شهور من الشراء.
أخشى أن بقينا على هالرشّة لعقد اوعقدين آخرين ..أن يعلق السياسيون وجهابذة الاقتصاد على الوطن بأكمله لافتة تقول: (للبيع لعدم التفرغ).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى