بلا كرامة / شاهر الشريدة

بلا كرامة

في هذه الليلة.. سأترك كل عاداتي القديمة.. فسأنام باكرا.. وسأودع أحلامي ولن أخذها معي.. فلن يكون لها متسع في فرشتي.. وفي يوم غد.. سأصحو في السادسة صباحا لا في السابعة والنصف.. سأصنع قهوتي على عجل.. وسأسكبها في كاسة من ورق لا في كوبي المفضل الذي اهدتني اياه خطيبتي من السيفوي.. ولن اغسل البكرج.. فسأبقى استعمله على قذارته.. وسأرتدي ملابسي دون تأنق.. سأجعل جزء من القميص تحت البنطلون.. وجزء فوقه.. سأجعل الحزام مفكوكا وطبعته الى الجانب عند الخصر.. ولن امسح حذائي..

سأحمل قهوتي واخرج من شقتي مسرعا أسير نحو دوار الداخلية حيث موقف الباص.. فلن استقل التاكسي.. سأجعل شمس الصباح تلفح وجهي.. وسأدع الناس يدوسون اقدامي وهم يتزاحمون للصعود في الباص.. سأنتظر طويلا في الموقف.. ولن افكر في مستقبلي كعادتي .. ولن أمعن النظر في سلوكيات الناس وتصرفاتهم.. وإذا أحدهم قال لي أريد مقعدك فسأعطيه اياه وسابقى واقفا.. ليس أخلاقا ولكن تجابنا.. سأقول للسائق أن يرميني عند جريدة الدستور.. وسأكمل المسافة إلى مكان عملي في الجاردنز سيرا على الاقدام.. وعندما اصل ويسألني الشرطي الذي يحرس الباب عن هويتي.. سأعطيه اياها ولن اقول له ني موظف.. سأدخل وسأبصم ولن انظر في ساعة البصمة ففي كل الأحوال اكون قد وصلت عملي قبل الثامنة والنصف..

سأستقل المصعد إلى الطابق الثاني.. وسأركض إلى رئيس الديوان.. ألقي عليه التحية بحرارة مع كلمات من نفاق انه منوّر وأنه أفضل رئيس ديوان في كل الدوائر الحكومية.. وسأسأله كيف يفضل القهوة فسأصنعها له بنفسي لمزيد من التودد وهز الذنب.. وسأنادي كل من يخاطبني (سيدي) .. وإذا مسؤول طلب مني أن أكتب موضوع انشاء لأحد أبنائه فسأكتب بصدر رحب.. وإذا أراد أحدهم أن أذهب إلى سوق الخضرة أو لاحضر له باكيت دخان.. سأذهب بكل بشاشة.. وإذا أحد الزملاء طلب مني أن أنجز عمله سانجزه قبل عملي.. ولن أغادر مكتبي قبل الثالثة والنصف.. ولن اغادره إلا إلى (الحمام) أو إذا بعث لي أحدهم.. فسأركض مجيبا اؤمرني سيدي.. لعيونك سيدي..
سأغادر عملي إلى البيت كما ذهبت صباحا أسير نصف الطريق على الاقدام.. ولن انسى ان اودع رئيس الديوان واستأذنه بالخروج.. وفي الطريق لن التفت إلى أحد.. ولن أشاهد شيء في الشوارع.. ولن اكتب عما يغضبني.. فلن أكون أردني.. لن أكون إنسان.. لن أكون فلّاح.. ولن احافظ على سمعتي.. فسأكون بلا كرامة.. بلا حلم.. وسأتقمص دور الهبيلة.. فلم يعد هذا البلد يتسع ل كرامتي واحلامي..
#طافح

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى