الترياق “قصة قصيرة”

[review]

نظر في عينيها وكأنه يراها لأول مرة…لم يعرف لماذا تذكر لقائهما الأول وكيف استغرب من كونها

عرّافة بعمر السنابل وبعيون لوزية أيضا, فمنذ الصغر ترتبط العرّافة في ذهنه بتجاعيد مبهمة.

تنفث في النار وتطيل النظر في عينيه….

مقالات ذات صلة

رائحة البخور تعيده طفلا صغيرا يعبث بمسبحة جده ويتابعه متمتما بكلمات لم يفهمها يوما,

ليته بقي طفلا متعلقا بوقع حبات المسبحة ولم تتلاشى أيامه كدخان ينبعث من بخور عرافة.

يأتيه صوتها وكأنه الصدى :

لماذا عدت إلى هنا….يا لتعاسة أنفاسك

منبوذ أنت,واللعنة تحل بمن عرفت

ما أقسى وقع الليالي عليك…

تلقي فوق الجمر قليلا من مسحوق ذو رائحة نفاثة فيتصاعد الدخان مخفيا ملامحها

يسعل مختنقا بفعلتها تلك….فتضحك هامسة:

يا لضعف قلبك

ابتلع كلماتها بصعوبة وخرجت حروفه باتزان مصطنع :

لم آتي إلى هنا سوى لأني اعرف كل ذلك,سئمت وأريد حلا.

تشيح بوجهها عنه:

quot;لا حل لدي…نُحِتَّ من الصخر ولن أقوى على بث الروح بين أنفاسك,ستبقى حجرا يأكل ويشرب ثم يموت فتندثر ذكراه للأبد.quot;

يخرج متثاقلا,يتعدى البوابة الخارجية ببضع خطوات ثم لا يلبث أن يعود مسرعا

يقف بين يديها ويتوسل:

_quot;أرجوك أريد ذاك الترياق الذي وصفته لي يوما,أريد أن أُبعث من جديد

أريد سحرا يحوِّل شقاء أيامي سعادةquot;

_quot;قلت لك مرارا لا أمل لدي…لن تشفى وعليك أن تجد ترياقك بنفسك,أرجوك أنا هذه المرة اخرج ولا تعد الى هنا أبداquot;

يلتفت لغربة تحيط بقداسة عينيها ويسأل:_

_quot;هل كنت تبكين ام هي قطرات الندى علقت بلوز عينيك؟ quot;

ترسم ابتسامة رمادية :-

_quot;وهل تبكي العرافات؟quot;

تخفي بقايا دموع كشفت حسرتها وتذهب….

يخرج معانقا آخر خساراته,يلعن نفسه ودنياه وتلك العرافة التي تقوده قدما اليأس نحوها في كل مرة

يقف لحظة ويتساءل:

quot;هل حقا تبكي العرافات؟ ماالذي يغري دموعها بالحياة وبين يديها شفاء مشاكل الناس…

هي بشر أيضا ومن حقها ان تبكي,

هل أنا كائن بشري ام بضع حجارة كما تفوهت تلك العرّافة؟quot;

يحدق ببضعة خطوط تزين يده,يتتبعها بأصبعه وكأنه يسلك دربا شائكة,يحدثها هامسا:-

quot;لن أعود إليها مجددا ,هي طلبت ذلك بنفسها,ما أقسى أن تعافك حتى العرافات

سأفتقدها قليلا ولكن لن أعود ابدا quot;

يجوب شوارع المدينة…يتأملها,يتكلم معها,يتمنى لو صرخ بأعلى صوته ,ولكن هل سيسمعه أحد؟

هل سيجيبه أحد؟

يحس بمرارة تملأ روحه,مرارة لم يعهدها يوما,

لماذا اليوم بالذات؟ هل هو طعم الخسارة؟

تمر الحياة أمامه ببطء…ها قد جاوز الأربعين ببضع سنوات,أيامه متشابهة بل متطابقة

يعاني وحدة البيت البارد,لماذا؟ لا يدري.

يقف أمام مرآته حائرا ,يتأمل وجهه….يحاول لفظ تلك الكلمة فلا يستطيع,لم يجرؤ على لفظها مرة حتى أمام المرآة.

لم يقترن في حياته بامرأة ما,ربما لم يجرؤ على ذلك أيضا

يقنع نفسه دائما بأنه لم يلتق بتلك الفتاة التي تستحقه.

يقرر بعد معاناة أن يكتب وصيته….سيتبرع بقلبه هذا لأحدى المستشفيات ولكن سيرجوهم بأن يكتبوا عليه بأن هذا القلب لم يستعمل أبدا…وبأنه ما زال صغيرا ولم يتعلم السعادة بعد.

يمضي وقته بالرسم ,يرسم ملامح إحداهن يلونها باللون الأخضر,يضحك من نفسه فلم يرَ مرة امرأة خضراء.

يرسم دخانا يذكره ببخور عرافة ما زالت كلماتها تعزف في أذنه لحنا منفردا:-

quot;ابحث عن ترياقك بنفسكquot;

يتسائل كمن يحدثها:-

quot;لماذا أعطيتني أملا وتخليت عني,لماذا فعلت بي كل هذا….كيف سأبحث عنه وحدي,لم المسه يوما فكيف سأبحث عن وهم؟
…ملعونة أنت أيتها العرافة…لماذا تلاحقني عيونك بهذا الشكل؟quot;

لم يستطع النوم تلك الليلة,يتقلب بألم…أفكار غريبة تملأ رأسه,يقفز من سريره كالملدوغ ويجلس أمام الشباك في انتظار الفجر.

أنفاسه تخرج بصعوبة وترسم على النافذة سحرا ,بخورا.وعيونا بنكهة الربيع.

يتعجَّلُ قدوم ذاك النور على غير العادة,لا ينتظر حتى تكمل الشمس تحيتها الصباحية,يرتدي ملابسه على عجل ويخرج.

يدفع باب بيتها ويدخل,يجلس أمامها ويهمس:

احبك…

تبتسم ,تلقي ما تبقى من ذلك المسحوق في نارها…وينتشر الدخان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى