اهدي يا هدى / سهير جرادات

اهدي يا هدى

اهدي يا هدى ..” الله يهديك ما كنا قاعدين وساكتين وراضين بالفساد”، الذي نسمع به ونراه بأم أعيننا يجري في وضح النهار .. لماذا أفسدت علينا “متعة” سكوتنا عن الفساد، وجعلتنا نستشعر آلام الموسى الذي ابتلعناه بحديه منذ سنوات؟
لله درك يا هدى! منحتنا التفاؤل بأن هناك أملا بالقضاء على الفساد والفاسدين ومحاسبتهم ، ومكافأة الشرفاء الرافضين للفساد من أبناء هذا الوطن؟
سامحك الله يا هدى .. “كنا راضين بحالنا” ، إلى أن فتحت علينا جروحنا ومواجعنا ..، دعينا نعيش ما تبقى لنا من أيام في هذه الدنيا .. ونعدك ، بأننا لن نتحدث بعد اليوم عن الفساد .. ، بعد أن استشرى بيننا واصبح “عاديا نتقبله دون احتجاج”، وظهرت الأصوات المعادية لقول الحق.
معقول يا هدى .. أنك لم تستطيعي السكوت على الفساد .. غريبة أنت .. ألم تتعلمي من غيرك ؛بأن مكافحة الفساد ستجر عليك الويلات ، وتفتح عليك وعلينا عش الدبابير المؤذية ، وأن بالسكوت تسلم الرؤوس ، فكان عليك بالصمت ،وأن تدعي العجلة تدور.

هدى ، إن ما أدليت به من معلومات من خلال وظيفتك مديرة في دائرة العطاءات الحكومية ، وشهادتك أمام هيئة النزاهة ومكافحة الفساد العام الماضي ، حول فساد في أحد العطاءات الكبرى ،لم يحمك ..فكانت النتيجة احالتك الى التقاعد ..وإن حالفك الحظ في البداية ، عندما اعترضت الهيئة على قرار التقاعد ، لأنك مشمولة بالحماية التي منحك إياها القانون ، كمبلغ وشاهد حسب نص المادة 24 من قانون النزاهة ومكافحة الفساد ، واستجابت الحكومة وأعادتك لوظيفتك ، لكن النية كانت مبيتة ، وأعادتك لعملك بموجب عقد سنوي ، ولم تلغ قرار التقاعد!؟
معقول يا هدى ، هذه الكركبة القانونية؛ هل ضَللنا القانون لغويا ، أم سقطت “لا “الناهية سهوا بحيث أصبح نص المادة 24 ” لا تتولى الهيئة توفير الحماية اللازمة للمبلغين والشهود والخبراء في قضايا الفساد”.
لكن يا هدى ، حتى الهيئة لم تصمد في حمايتك أكثر من عام واحد ، حيث اصطدمت بالرغبة الحكومية بإنهاء عقدك ، وطلبت رفع الحصانة عنك ، رغم رفض اثنين من الاعضاء ، جاء الرد الحكومي بإحالتهما الى التقاعد ، وبذلك تكون الهيئة قد خسرت استقلالها ، وفقد أعضاء مجلسها الحصانة .
ولم يكفك ذلك يا هدى ، وعلى الرغم من أن الهيئة مستقلة وتُعين بإرادة ملكية ، وغير تابعة للحكومة ، ولا تخضع لنظام الخدمة المدنية ، إلا أن الحكومة تطاولت على سيادة القانون ، وأنهت من يخالف رغبتها ، ونجحت في اقصائك .المسألة محيرة : من يجب أن يُعاقب : وزير الاشغال ورئيس الحكومة ، أم انت !؟هل تعلمين يا هدى ، أننا لم نسمع أي شيء من الهيئة ، التي من المفترض بها ان تحميك ..

معقول يا هدى ، كل هذا الازعاج ، والإلحاح على مدار عدة أشهر ، ولأكثر من خمس عشرة محاولة لمقابلة رئيس الوزراء !؟
هكذا يا هدى ، أجبرت الوزير على اصدار بيان شديد اللهجة يتكون من 902 كلمة ، لم يصدر بحق أي فاسد أو قضية فساد ، اضافة الى اصدار القرارات التحذيرية بعدم النشر بهذه القضايا ، هل تعلمين لماذا ؟ حماية لهم!!!!
كل هذا يصدر منك ، وأنت التي حصدت جائزة الملك عبدالله الثاني لتميز الأداء الحكومي والشفافية ،واحتفلنا بك ، وكبرنا بك وبانجازاتك ، إلى أن ابلغت هيئة النزاهة ومكافحة الفساد بما تمتلكين من معلومات على قدر من الاهمية ، وحصلت على الحماية القانونية بعد أن نجحت في الغاء عطاء تزيد قيمته على 40 مليون دينار اردني ، وجنبت الخزينة هذه الخسارة … هنا أصبح لزاما علينا اعادة النظر بالجائزة لأنها تمنح لأشخاص تشكك الحكومة بنزاهتهم ومصداقيتهم ….
أتعلمين يا هدى ، أن قضيتك فتحت شهية الاقلام المأجورة ، وفاحت رائحة الفساد من مقالاتها المدفوعة الثمن، تلك التي تقزم الدور الوطني العظيم الذي قمت به ، وانتشرت الروايات المسيئة لك ولسمعتك ، ولسمعة عائلتك!!
أبشرك يا هدى ، ان مكافحة الفساد ما هي إلا مجرد دعاية ودعابة ، والحكومة تقمع من يكافح الفساد!هدى .. إن قرار عزلك ، وعدم تقديم الحماية لك ، سيحرم كل من يمتلك أي معلومة مهمة وإثباتات حول قضية فساد من التقدم بها ، بعد أن فقد الثقة بالهيئة!
هدى .. كنت درسا موجعا لكل الشرفاء .. وهم يحولون بجرة قلم المظلومين إلى ظالمين ، ويصبح المحب لوطنه ضحية ..إلا أننا اصبحنا كلنا هدى ،وضد الفساد ، ولن نخاف من قول كلمة الحق ، لأن الوطن يستحق منا التضحية .
هدى الشيشاني ، لماذا رفضت الظهور في احدى المقابلات التلفزيونية ؟ .. هل تم تهديدك !؟.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى