” انكسار …. أمي ” / د. محمد شواقفة

” انكسار …. أمي ”

يلملم العام ما تبقى له من سويعات قبل أن يبدأ بالأفول …. بقايا صور متناثرة من ذاكرة مهشمة يصعب تجميعها فلا تكون هناك حكاية!….
لم يك هذا العام كغيره من اقرانه قبلا …. لأن الزمان دار دورته فيه و كان له أن يتوقف في تلك اللحظة و يضع نقطة لآخر الكلام و ينهي أجمل حكاياتي!!!
لم أعلم أن تلك اللحظة هي آخر لقاء لنا …. لم تنظر إلي و لم أقبل يديها …. لم أتحدث معها و لم تربت على كتفي و تدعو لي … لم تشاركني أي ضحكات و لم تنبس ببنت شفة بكلمة وداع … كانت أسيرة الوقت و حبيسة الصمت ….
مرت أيام عديدة …ربما بعضها قصير و ربما جلها طويلة … كانت تأبه للوقت و تعلم أن رمل ساعة زمانها ينفذ بسرعة …. لكنه لم يلق بالا لذلك و لم يعلم أن الزمان يدور و أن وقت الوقوف قد أزف. لم يسعفها نداء أو رجاء …. و استعجل صوتها الرحيل قبل أن تفارق روحها الجسد الذي بات يشكو نحولا و يأبى المقاومة ….. و تاهت النظرات حيرى تبحث عن دفء بعيد فلا تجد…. فتستلم الروح بسلام و رقة و صمت …. و ترحل تاركة فصولا من حكايات لم تكتمل ….
عام جديد سيبدأ بعد لحظات و أيام ستمر و قصص قد تبدأ و حكايات جديدة قد لا تكتمل ايضا …. لكنني لن أستجمعها لأرويها لك … فقد خذلتك فيما مضى و أنت أسيرة الانتظار و قد حان دوري لأعيش الندم و الحسرة على كل لحظات البعد و الهجران ….
هل سأخبرك أن طفلي الذي لم تعرفيه قد بدأ يخطو أولى خطواته … و يبكي عندما أتركه و أمضي بعيدا …. هل سأشارك معك لهفتي و خوفي على ابنائي و هم يذهبون كل يوم للمدارس و بلهفة انتظرهم …. هل سأشكو لك همي اذا مرض أحدهم أو ألم به طارئ ….. هل سأطلب منك دعاء بظهر الغيب لكي أنجح و أجني المال الوفير ….. هل سأبحث عنك لتركبي سيارتي الجديدة …. هل سترافقينني لتباركي لي بيتي الجميل ….؟! هل سأجد الوقت لأسألك … ماذا تحبين و أي شئ ترغبين ؟!
غاب الزمان و طوت اللحظة غياهب النسيان …. و لم أعلم أنني سلكت كل طريق الا طريق الجنة التي حرمت منها في تلك اللحظة . رحلت و ارتحلت معك النكهة من كل شئ ….
لم يعد الزمان يعنيني بشئ … و ذاكرة المكان اختصرتها يد القدر بطريق ترابي ضيق يوصلني إلى ذلك القبر الذي ضم آخر ما تبقى من جسدك الطاهر …. و لست أدري إن كنا سنلتقي يوما خارج حدود الوقت …. لأن زماني إنتهى بغيابك و ما عدا ذلك فهو محض انتظار!!!

” دبوس انكسار الروح ”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى