انضباط شعبي / سهير جرادات

انضباط شعبي

لم يعد مفهوما أن يكون الانضباط العسكري مقتصرا على المنتسبين للعسكرية فقط ، إذ تتوافر الروح الانضباطية العسكرية العالية لديهم ، وتنفيذهم للأوامر والتعليمات بنصها وروحها ، بكامل الرضا ، وفي أقصر وقت ممكن ، ودون إبداء لأي اعتراض ، ولا حتى السؤال والاستفسار ، حيث القاعدة العسكرية تنص : نفذ ثم اسال ، ولا تنتظر الاجابة ، والأفضل أن لا تسأل.
ولكن ما هو واقع الآن ان الانضباط صار على مستوى شعبي .بدا جليا أننا شعب أصبحت روح الانضباط تطبق علينا، بشراسة وعنوة، وتتكالب علينا الظروف ، ونشاهد بأم أعيننا كيف تخرق القوانين ويتم تجاوزها ، وينتشر الظلم ويتفشى الفساد والواسطة والمحسوبية ، وتهضم حقوقنا ،وتنتهك حقوقنا بكل صراحة وبصورة سافرة ، وعندما تثور ثائرتنا الرافضة للظلم وغياب العدالة ، وتتعالى الأصوات المطالبة بتطبيق القوانين وتحري النزاهة والشفافية ، لإعادة الحقوق لأصحابها، نجابه باستغفال مطالبنا، وكأن لسان حال المسؤول يقول للمواطن : ليس من حقك الاعتراض، وعليك أن تقبل بالظلم وتخنع للفساد ، ولا تعترض أبدا!!
وحتى لو اعترضت ، فلا من مكترث لك ، بل وصلت الجرأة بالمسؤول؛ بتجاهله للأصوات التي تضع يدها على الفساد، وتريد أن تطبق القانون ورد الحقوق إلى اصحابها ، ويتم تجاهل هذه الاعتراضات التي تكون في محلها ، ويكون مصيرها الاستخفاف .ولم يتوقف الاستخفاف عند عدم العودة عن التجاوزات التي تنتهك بحق المواطن من قبل المسؤول ، وسلب حقوقه التي تم التطاول عليها بحكم السلطة وسوء استخدامها ، وتوزيع المناصب والغنائم على الأهل والأقارب والأعوان ، أو تجاهل تفسير المجريات ومحاولات تعليلها ، بل وصل الامر إلى مرحلة “مأسسة ” الفساد، واصبحنا نخشى ما نخشاه أن “يقونن” ، من شدة استهتار المسؤولين بأصوات المواطنين المطالبة بتحقيق العدالة .
جميعنا يذكر ثورة الغضب على تجاوزات المسؤولين في التعيينات، واقتصارها على فلذات أكبادهم وأقاربهم والمؤلفة قلوبهم من أعوانهم وأحبتهم ممن يخدمون مصالحهم ، وينفذون الاوامر بكل انضباطية ، ودون توجيه أي سؤال ، أو المطالبة حتى بتوضيح أو تفسير ، وكل ما عليهم تنفيذ الأوامر دون مناقشة.اليوم اعترضنا على سوء استخدام السلطة ، والاستغلال الوظيفي في تعيين ابن رئيس الوزراء هاني الملقي مديرا في الملكية ، وكنا بالأمس قد اعترضنا على الامر ذاته من سوء استخدام للسلطة والاستغلال الوظيفي لرئيس الوزراء السابق عبدالله النسور لتعيين ابنه سفيرا في سلطنة عمان ، وقبلها اعترضنا على تجاوزات بالجملة لسوء استخدام السلطة لعدد منالمسؤولين ، الذين تجاوزوا على حقوق الآخرين ، وجميعها موثقة ، وكلها لم تجد أي استجابة ولم يتم تصويب أي وضع ، أو حتى رد من أي جهة مختصة ومعنية في النزاهة ومكافحة الفساد، لتقوم بالتدخل السريع لإعادة الامور إلى نصابها ، أو أن تفسرها لنا بالقانون بأننا على خطأ ، اعتراضات كانت زوبعة في فنجان ، ومع ذلك لابد من الإشارة الى محاسبة المسؤول عن التعيين الخاطئ ، والا اصبح المواطن المتستر على الظلم شريكا في الجرم معه ،ومتواطئا أيضا ، ومتسترا على فعل الظلم الذي وقع على شعب سلب حقه ، بواسطة سوء استخدام السلطة من قبل المسؤول المستهتر .
الامر في تحويلنا إلى شعب منضبط ، لم يتوقف عند الامور الداخلية ، بل تجاوزها إلى الأوضاع السياسية الحساسة التي تدور حولنا، فلم نجد رغم توجسنا من قطع العلاقات مع دولة قطر من قبل عدد من الدول العربية ، أو إبداء أي أسباب لتأجيل الزيارة الملكية إلى دولة الكويت ، وبقيت مبهمة ، وبقينا داخل دائرة هواجسنا ندور ، علما أننا من الأكثر تضررا .
يريدوننا شعبا منضبطا ، يتمتع بروح الانضباطية العالية ، يقبل الفساد وتفشيه داخل المجتمع ،ويتقبل الظلم ، ولا يطالب بحقوقه ، وأن يبقى بعيدا عن أي تفسير لما يدور حوله من إحداثيات تمس حياته ، وأمنه واستقراره .
يريدوننا خانعين، راضخين ..لا نعترض على شيء ، مستسلمين لواقعنا لا نطالب بحقوقنا ، أو حتى تفسير لما يدور حولنا ، وما علينا سوى الخنوع والتنفيذ ، وعلينا أن لا نسأل ، وأن لا ننتظر أي اجابة ، والأفضل أن لا نسأل منذ البداية ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى