الوقواقُ والثَعلَب / م . عبدالكريم أبو زنيمه

الوقواقُ والثَعلَب
يُحكى أنَّ ثعلباً إعتاد التسلل ليلاً الى إحدى القُرى والتهام ما تطالُهُ مخالبه من دجاجِ حضائرها ، إستمرَ على هذا المِنوال مُدة مِن الزمن حتى أفنى كل الدجاج ، بعد ذلكَ تحول الى إصطيادِ الأرانبَ في تلكَ القرية واستمر في ذلك بالرغم من كُلِ محاولات أهل القرية لردعهِ وتخويفهِ ، إلا أنَّ كُل محاولاتهم في صَدِّهِ عَن غَزوهم ومشاركتهُ إياهُم في لقمة عيشهم باءت بالفشل حتى أفنى كُل أرانبهم ، ولَم يَكتفِ بهذا القَدر بَل تحولَ الى إصطيادِ الحِملان الصغيرة حتى فَنيت جَميع قطعانهم عَن بكرةِ أبيها ! فَشلت كل كمائنهم التي أعدوها للإيقاعِ بهِ .. فَعمَّ القرية الجوع والفَقر وساءَ حالُ سُكانِها بينما بَدتِ علامات الشَبعِ جَليةً على الثَعلَب فازداد وزنهُ حتى أصبحَ مُكتنزاً كخروفٍ سَمين !
بَعد أن قَضى الثعلَب على جَميعِ موارد القَرية ، صارَ يعودُ صِفر اليدين من غاراتهِ الليلية على القَرية ، ففكرَ ملياً بطريقةٍ تُمكِنهُ من دخولِ القَرية في وَضَحِ النهار ليتمكَنَ مِن تَحديدِ أهدافٍ جديدة سَترها عَنهُ رِداءُ الليل ، فخطرت لَهُ فِكرةُ التنكُر في جلودِ الخِراف التي خَطَفَها مُسبقاً مِن القَرية ، وكانَ لَهُ ذلك .

صنَعَ لنفسهِ فَروة وتخفى فيها ونزل يطوفُ حَولَ القرية ، لكنه لم يرَ لديهم ما يُمكنُ السَطوَ عليهِ سوى خبزهم ،عادَ ليستريح ويستظِّل تحتَ شجرةٍ فيها عُشٌ لطائرِ العندليب.. أطالَ النظر إلى العُش وما إن غادرت أُنثى العندليب عُشها حَتى حطت عليه أُنثى طائرُ الوقواق ورمت بيضة من داخله وباضت هيَّ في العُش ثُمَّ طارت .. بَعدها عادت أُنثى العندليب ورَقَدت على البيض ! والثعلبُ يُراقب كل ما يجري فانتابهُ الفُضول ليكمِلَ مُتابعة هذه الحيلة حتى نهايتها..مَرتِ الأيام والثعلبُ لا يزالُ يجوبُ القريةَ مُتنكراً ثمَ يعودُ ليستريح تحت الشجرة ويراقب حيلة أُنثى الوقواق ، وفي يومٍ من الأيام فقّست بيضة الوقاق وخرج منها فرخُ الوقواق الصغير الذي لم ينتظر طويلاً حتى بدأ برمي بيض العندليب من العُش واحدةً تلوَ الأُخرى حتى بقي لوحده بالعُش..والثعلبُ يراقبُ المشهد ويقول في نفسه هذا الفرخ ابن حرام أكثر من أبويه.. تَمرُ الأيام والعندليبان الوالدان يُطعمانِ فرخَ الوقواق وهو يسمن ويتضخم حتى أصبَحَ حجمُهُ يُعادِلُ ضِعفَيّ حجمهما معاً وبدأ يتدربُ على الطيرانِ ويقوي جناحيهِ حتى طارَ من العُش..وفي هذه اللحظة قدمَ أبويهِ الأصليّان وتقربا مِنه فانضَّمَ إليهما ضارباً عرضَ الحائطِ بذاكَ العُشُّ الذي إحتضنَهُ مُنذُ ولادتهِ وبالعندليبانِ اللذانِ ربياهُ وأطعماهُ كإبنهما..كُلُ ذلك والثعلَبُ يُراقب !
نهضَ الثعلبُ المُتخفي وخاطبهما قائلاً : يا أبناءَ الحرام تسللتم إلى العُشِ خِلسةً وقتلتم أبناءَ المساكين وأكلتُم طعامهم.. فكافحوا لحمايةِ ورعاية إبنكُم والآن تتنكرون لَهُم ؟ ضَحكت عائلة الوقواق كثيراً من قَولهِ..وهُنا سألهُ الوقواقُ الأب : لَكن لَم تُخبرنا من أنت ؟ وهُنا أجابهم الثعلب المُتخفي..كما ترون..فأنا خروف ‍! فتعالَت أصواتُ ضحكهُم وقالوا لَهُ : هَذهِ هي المَرةُ الأولى التي نَرى فيها خروفاً بذنبٍ طويل..نَعتَّنا بأبناءِ الحرام ونحن لسنا بأقلَ منكَ إقترافاً للحرام ، نَعم لقد تسللنا إلى عُشِّ غيرِنا ونهبناه وخَدعنا مَن فيهِ ، كَذلكَ أنت تَسللَتَ إلى تِلكَ القَرية ونَهبتَ أهلها فأصبحتَ مُكتنزاً كالخروف ، لَكنَّك مَكشوف وإن تَنكرت ، فنتانةُ رائحتك وذيلُكُ الطَويل يفتضِحانك ، يا هذا ؛ لَقد إقترفنا عَملاً مُشيناً صَحيح لكنَّا لَم نَصل بَعد إلى دناءة أفعالك ، أُترك لِأولائكَ المساكينَ خُبزَهُم ، أُترُك لَهُم ما يقتاتونَ بِهِ ، يَكفيكَ ما نَهبتَهُ سَلفاً !
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى