الاستثمار في الأردن.. الواقع والمأمول

#الاستثمار في #الأردن.. الواقع والمأمول
#يحيى_صالح_القضاه*
يدل تطور النظريات الاقتصادية على حركة تغير واسعة على مستوى السياسات والفلسفات الاقتصادية؛ فمن أبرز سمات هذا التغير هو الثورة التكنولوجية، وعولمة الاقتصاد وزيادة حجم تدفقات رأس المال، فالبيئة الجاذبة للنمو الاقتصادي تؤدي دورًا بارزًا في جذب الاستثمارات، وذلك هي أولوية متقدمة ضمن برامج عمل كافة الحكومات في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء؛ فالعولمة وما نتج عنها من منافع عديدة نتج عنها أيضًا تحديات لكافة الدول، والملاحظ ان السياسة الاقتصادية لم تول كما يبدو أهمية كافية لنجاح الاستثمار كما في الأردن.

إن بيئة الاستثمار في الأردن كما أظهرت مؤشرات أداء الأعمال الصادرة عن البنك الدولي يشوبها العديد من أوجه القصور والتحديات التي تواجه المستثمرين في الأردن، حيث نجد طبقًا لتقرير ممارسة أداء الأعمال (Doing Business) الصادر سنويًا عن مؤسسة التمويل الدولية(IFC) التابعة للبنك الدولي عدم تنافسية الأردن كميزة في ممارسة أنشطة الأعمال، حيث جاء الأردن بالمرتبة (70) عالميًا من بين (140) دولة مشمولة في المؤشر ، وقد حقق الأردن مراتب جيدة في محاور المؤسسات والنظام المالي، فيما كان ترتيب الأردن الذي حصل عليه في المؤشرات الأخرى متوسطًا، وذلك في محاور كالبنية التحتية، والجاهزية التكنولوجية، والصحة، ومهارات الموارد البشرية، بينما كان أهم المحاور التي أظهر الأردن فيها ضعفًا واضحًا هو استقرار بيئة الاقتصاد الكلي.

أما مؤشر ممارسة الأعمال هو مؤشر يقيس ممارسة الأعمال للوائح التنظيمية في (190) اقتصاد حول العالم عبر 12 مجالًا لتنظيم أنشطة الأعمال بهدف تقييم بيئة الأعمال في كل اقتصاد، بحيث يتم استخدام (10) من مؤشرات تقدير مدى سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، وهذه المؤشرات هي؛ بدء النشاط التجاري، واستخراج تراخيص البناء، وتوصيل الكهرباء، وتسجيل الملكية، والحصول على الائتمان، وحماية المساهمين أصحاب حصص الأقلية، ودفع الضرائب، والتجارة عبر الحدود، وإنفاذ العقود، وتسوية حالات الإعسار. ووفقًا، للتقرير الأخير، فإن الأردن ضمن البلدان العشرة التي حققت أكبر تحسن في (3) أو أكثر من المجالات التي قاسها التقرير، وبحسب التقرير فإن أبرز الإصلاحات التي حققها الأردن ، هي إمكانية الحصول على الائتمان بتطبيق قانون جديد للمعاملات المضمونة، وتعديل قانون الإعسار وإطلاق سجل ضمانات موحد حديث قائم على الإشعار، علاوة على ذلك، فإن الأردن وبحسب التقرير قد سهّل دفع الضرائب عن طريق تقديم الإقرارات الضريبية ودفع العمل والاشتراكات الإلزامية إلكترونيًا.

وبالرغم من تقليل الحواجز أمام ممارسة النشاط الاقتصادي بين دول العالم بحسب مؤشر ممارسة أنشطة الأعمال، فإنه لا تزال هناك فجوات كبيرة بين الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات النامية في معظم مؤشرات ممارسة الأعمال، حيث يصنف اقتصاد الأردن بحسب التقرير ضمن الاقتصادات النامية.

إن البيئة الاستثمارية وثيقة الصلة في عوامل تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية وأنثروبولوجية متداخلة على نحو غير قابل للفصل، فالتحول إلى اقتصاديات السوق يتطلب فرض سياسة اقتصادية تتلاءم مع هذا الاقتصاد، حتى في ظل اقتصاد ليبرالي لا يمكن أن تعمل قوى السوق دون وجود الدولة، فإذا كان التدخل الكبير للدولة يعد عاملا كابحا للتنمية الاقتصادية فإن غيابها يؤدي إلى انعدام الأمن، الأمر الذي ينتج عنه عدم جذب الاستثمار؛ فالاقتصاد الأردني يعاني من اختلال هيكلي عميق نتيجة السياسة الاقتصادية غير الرشيدة ما أدى إلى رداءة أداء الأسواق وعدم العدالة في توزيع الدخل والثروة، وزيادة الاحتكار وأنماط أخرى من السيطرة الاقتصادية، والمضاربة المالية، والبطالة، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وإعاقة التقدم التكنولوجي.

إن نجاح الأردن في تحسين معدلات الاستثمار يتطلب من المتحكمين في صناعة القرار في السياسة الأردنية تحسين جودة تصنيف الأردن في تقارير المنظمات الدولية والتركيز على البدائل السياسية والاقتصادية ذات الجدوى، وتبنى التوجه الرئيسي لدراسة الحالة، والتحليل الدقيق للمعاملات والحوكمة وتحديد مؤشرات قابلة للقياس والاختبار في الاقتصاد الأردني ، والعمل على تحسين السياسة الاقتصادية العامة ومكافحة جدية للفساد بكافة أنواعه .

فالقرار الاستثماري مرتبط في الفرص البديلة للمستثمر، وهو الأمر الذي يتوقف على العديد من المقومات التي يجب إدارتها بطريقة ذكية ومن أهمها الموارد الطبيعية، انخفاض الضرائب والاستقرار السياسي والأمني، والقانوني، والاقتصادي، والنقدي، والمالي، مع توافر البيانات السليمة وتوافر البنية المادية والموارد البشرية المؤهلة؛ فضلاً عن سعة الأسواق الداخلية المقرونة بالقوة الشرائية، التي تتحكم في معدل النمو الاقتصادي وكميته ونوعيته.. وكما قال الأديب نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل في رواية أولاد حارتنا ” ولولا أن آفة حارتنا النسيان ما انتكس بها مثال طيب .. لكن آفة حارتنا النسيان” .
*مساعد بحث وتدريس في العلوم السياسية .
جمعة مباركة