الناسخ والمنسوخ في القرآن / د . هاشم غرايبة

الناسخ والمنسوخ في القرآن

لن ينتهي الجدل القائم منذ قرون، بين من يرى أن من أهم دلالات صلاحية الإسلام لكي يكون حَكَماً على تصرفات البشر في كل زمان ومكان، هي قدرته على استيعاب المتغيرات البشرية الفكرية والإجتماعية والإقتصادية وإعطائها معالجات شافية وافية، وبين من يرون أن البشر يجب أن يُكيّفوا واقعهم لتتوافق مع المعالجات التي وضعها الفقهاء في القرن الثاني الهجري، إعتقادا أنهم أحاطوا بكل شيء علما ولم يُبقوا مزيدا لمستزيد.
أحاول في سلسلة مقالات الإثنين أن أعرض قضايا فقهية تحتمل البحث من زوايا معاصرة لكنها منضبطة بالثوابت الأساسية، فأنا أومن أن من خلق “إبن كثير” وأعطاه فهما لمعاني القرآن الكريم قادر أن يخلق آخرين مثل سيد قطب وغيره ليسوا أقل منه ، وعندما جاء “ابن تيمية” لا شك أن هنالك من حاول أن يحبطه ويقول له لا تجتهد بل استنسخ أقوال السلف الصالح، لكنه رفض واجتهد وأصبح استاذا له تلاميذ فلقب بشيخ الإسلام.
موضوح النسخ في التشريعات أخذ جدلا واسعا، لن أدخل في بيان وجهتي النظر المتناقضتين فذلك موضوع شائك، وعلينا الحذر من الوقوع في الإثم، فلا يجوز الخوض فيما ليس لنا به علم، وهي مقاصد النصوص القرآنية وتفسيرها بما يوافق هوى الجماعة أو الحاكم ، وسأقتصر على الثوابت الأساسية التي لا جدال عليها وهي:
1 – إن النسخ أمر موجود بدليل قوله تعالى:” مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ “، ونفهم من هذا (والله أعلم )أن ما نُسخَ قد استُبدل أو أنه قد أنسيه النبي الكريم،وقبل أن يصل الى علمنا.
2 – إن النسخ هو رفع الحكم الشرعي، بخطاب شرعي، أي أنه لا يمكن نسخ آية إلا بآية من عند الله، وعلى هذا فلا يكون النسخ بالعقل والاجتهاد.‏
3 – في قوله تعالى:” وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ” تهديد ووعيد ، فهل يعقل أن المقصود به رسوله الكريم وهو أكثر البشر تقوى ومخافة لله؟ إنه تنبيه لنا أنه حتى أكرم الناس على الله ليس بمنجاة من عقابه إن هو حرّف كتاب الله أو قال بتعطيل العمل بنص تشريعي قرآني.
4 – إن القرآن الكريم ليس ظرفيا، بل هو لكل الأمم والأقوام وعلى مر العصور القادمة، وبما أنه تعالى يعلم ما ستكون عليه أحوال البشر في أزمان قادمة، فلا شك أنه ضمّنه الأحكام والتشريعات الملائمة لكل المتغيرات الظرفية، لذا فمن الخطأ ان نقتصر فهمنا لهذه الخاصية على تطبيقات فقهاء القرن الثاني وفهمهم، فليس معقولا أن الله فتح عليهم حجب الغيب فعلموا ما سيكون فوضعوا له الحلول.
5 – في قوله تعالى:”الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير” رد على من يقول أن هنالك آيات تتلى ولا يعمل بها بذريعة أنها نسخت، القرآن جاء محكما أي لا ثغرة، وكل آية لها مكانتها: متشابهة كانت أو محكمة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى