الملقي في المدينة الفاضلة / زيد عمر النابلسي

استمعت الخميس إلى كلمة دولة رئيس الوزراء في حفل الإستقبال بمناسبة الذكرى الثانية والسبعين لاستقلال المملكة، وحسبت نفسي لوهلة في دولة مثالية هي خليط بين سويسرا وسنغافورة بنكهة يابانية، مع حضارة اسكندنافية مُطَعَّمة بانتظام ألماني، مدعومة باقتصاد صيني وإبداعٍ كوري جنوبي، وكله في وسط المدينة الفاضلة التي عثر عليها هاني الملقي في الأردن!!

هل حقاً نحن نعيش في ذات المكان الذي وصفه دولة الرئيس في كلمته المنمقة أمام الملك؟

لماذا لا نتواضع لمرة في تاريخنا ونكف عن هذه النثريات الفارغة؟

وإلا فهل تصدقون أن هذا هو ذات رئيس الوزراء الذي تقوم نفس حكومته هذه الأيام بإرسال مشروع قانون جباية جديد للبرلمان تم طبخه على عجل في أروقة صندوق النقد الدولي، حيث يتسم هذا القانون بالغباء المفرط ومخالفة أبسط قواعد علوم الاقتصاد؟

مقالات ذات صلة

فقانون الضريبة المقترح أيها السادة يفرض ضرائباً إضافية على هذا الشعب المسحوق أصلاً تحت الفقر والديون، ليدق المسمار الأخير في نعش الاقتصاد الأردني، وذلك عن طريق إفلاس الشعب نهائياً وحشره في الزاوية الأخيرة قبل السقوط التام…

هذا الخراب الأكيد الذي تنوي عليه حكومة دولة الرئيس عن طريق رفع الضرائب، هدفه المتواضع كما نعلم جميعاً هو تمكين الحكومة من تسديد بعضاً يسيراً من فوائد ديونها المتفاقمة، والتي تقترضها كل عام من أجل دفع جزء من رواتب ومصاريف قطاعها العام غير المنتج أصلاً والمتضخم بشكل عشوائي دون فائدة تبرر وجوده في الأساس…

هذه الوصفة للدمار الاقتصادي الشامل عن طريق رفع الضرائب لن تساهم في خلق أي نمو اقتصادي، بل على العكس، لن تضمن لنا في أفضل الاحتمالات سوى انقباض الاقتصاد مع بقاء عجز الموازنة السنوي، وبالتالي استمرار الإستدانة واستمرار الغرق في دوامة الفوائد المتراكمة وحلقة الإفلاس المفرغة…

فما هو إذاً سر هذه الثقة الزائدة بالنفس في خطاب دولة الرئيس؟

لا أعلم بصراحة، ولكن ما أعلمه هو أنه عندما تطرق دولته في خطاب ذكرى استقلال المملكة إلى موضوع مفهوم “الإستقلال الاقتصادي”، بدأ دمي بالغليان…

يا دولة الرئيس، وزير ماليتك لا يخفي لمن يسأله بأن معاليه غير مقتنع شخصياً بنجاعة شروط صندوق النقد الدولي – تلك التي تلزمنا برفع الضرائب أملاً في رفع الإيرادات – ولكنه مُجبر على تطبيقها رغماً عنه بموجب اتفاقيات سابقة مع الصندوق، وأنه مجرد موظف لا حول له ولا حيلة!!

وهنا أسأل دولة الرئيس، هل هذا الانصياع الإذعاني لشروط منظمة تتحكم برقابنا وبخبزنا وبقوت عيالنا يمكن إدراجه تحت ما تغنّيت به حول سبيلنا الأكيد نحو “الاستقلال الاقتصادي”؟

أم هل هذا في الواقع هو الإستعمار القبيح بعينه ولكن بحلته الجديدة؟

يا دولة الرئيس، حكومتك قد لا تفرض ضرائباً على التنفس حتى هذه اللحظة، ولكنها وبالإضافة لعشرات الضرائب المباشرة وغير المباشرة، تتقاضى 16% من ثمن لتر المياه في كل مرة يذهب أردني إلى دورة المياه و”يشد السيفون”، وهذه ليست نكتة أو مبالغة، فكيف تقبل أن يفرض عليك موظف مغفل يجلس في واشنطن مزيداً من الجباية على هذا الشعب القريب من الانفجار؟

ولكن ما هي خياراتنا، سيسأل الكثيرون، لتجنب هذا القانون الكارثي على البلد؟

أنا لا أدعي أني أملك الحل السحري، ولكني أعلم أن الخطوة الأولى يجب أن تكون قراراً ذاتياً إرادياً سيادياً بالتخلص من التبعية السياسية التي لا تجر معها إلا العبودية الاقتصادية والارتهان لمؤسسات الإقراض الدولية ذات الأجندات المعروفة…

البداية في رأيي تكمن في التوقف عن تلميع الخيبة وتأجيل العلاج، وبدء القتال بكل ما نملك من أجل خلق التحالفات الدولية الجديدة والبدائل الواقعية التي من شأنها أن تقود نحو التحرر من الاقتصاد الاستهلاكي غير المنتج، لنصل يوماً ما إلى الانعتاق من سطوة شروط صندوق النقد الدولي…

بمعنى آخر، بدلاً من اجترار خطاب الكبرياء الكاذب والتطمينات الزائفة الذي مللنا من سماعه، نحن بحاجة لرجال دولة يمتلكون شجاعة المواجهة ومستعدون لتحمل أعبائها، وإلا فإن السفينة ستغرق بنا جميعاً…

ولهذا فإن ما نحتاجه قبل كل شيء هو أن ترحل حكومة “عنق الزجاجة” هذه وتريحنا من معاناة مشاهدة بؤسها وعجزها كل يوم، فقد فشلت في كل شيء وحان موعد الفراق، ولا فائدة مرجوة من تأجيل رصاصة الرحمة سوى جرنا إلى المزيد من الفشل..

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى