المقاومة الشعبية تحت الاحتلال / موسى العدوان

المقاومة الشعبية تحت الاحتلال

لا شك بأن الحرية هي هدف أسمى في حياة الإنسان وفي حياة الأمم، وهي حق كافحت من اجله شعوب عديدة على مر العصور. كما أن الدول المتحضرة أقرت بحق الشعوب المظلومة، في الكفاح والمقاومة ضد قوى الظلم والاستعمار، من أجل تحرير بلادها ونيل الحرية والاستقلال.

ومن المعروف أن الانتداب البريطاني هيمن على الأراضي الفلسطينية وشعبها منذ أوائل العشرينات وحتى منتصف الأربعينات، حيث جرى احتلال الأرض من قبل الإسرائيليين وتهجير معظم سكانها خارج البلاد، تساندهم بعض القوى الدولية الغاشمة، وحرمت الشعب الفلسطيني من الحرية والاستقلال.

قاوم الشعب الفلسطيني الاحتلال بوسائل قتالية، ثم تحول إلى وسائل سلمية بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وعقدت مئات الاجتماعات للمفاوضات بين الطرفين بوساطة أمريكية، على أمل تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني خلال بضع سنوات، إلا أن تلك الجهود لم تحقق النتائج المرجوة. واستمر الإسرائيليون ببناء المستوطنات على أراضي الضفة الغربية، وخلق حقائق جديدة على الأرض.

ومما زاد الأمور تعقيدا ما صرح به الرئيس الأمريكي الحالي، بأن القدس عاصمة لدولة إسرائيل، إضافة لتسريب معلومات صحفية لما سمي بصفقة العصر للسلام، والتي تشير بالإجهاز على القضية الفلسطينية، وتحويل الأردن إلى وطن بديل، يحتضن الفلسطينيين المحليين وفي الشتات. وعلى ضوء ذلك أعلنت السلطة الفلسطينية والحكومة الأردنية، رفضهما للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، واستنكارهما لصفقة العصر، التي يجرى تسريب مضمونها في وسائل الإعلام.

وهنا أتساءل : في ضوء هذا الموقف الدولي، ماذا على الفلسطينيين أن يفعلوا، بعد أن وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من التعقيد، وانكشف صلف الوسيط الأمريكي وانحيازه السافر إلى جانب إسرائيل ؟ هل عليهم أن يستسلموا ويرضخوا للواقع، أم عليهم الاعتماد على أنفسهم بعد أن فشلت الحلول السلمية التي راهنت عليها القيادة الفلسطينية لما يقرب من ربع قرن ؟

اعتقد أن على القيادة الفلسطينية خلط الأوراق لمواجهة الموقف المستجد من خلال : الاعتراف بفشل الجهود السلمية، إلغاء الاعتراف بإسرائيل، تغيير القيادة الفلسطينية الحالية وكل من شارك بالمحادثات السابقة، وقف التنسيق الأمني، اعتماد الكفاح المسلح والمقاومة بكافة الوسائل الممكنة، منع المقاولين والعمال الفلسطينيين من الاستحواذ على العطاءات لبناء المستوطنات، وأخيرا مساهمة المغتربين الفلسطينيين بدعم المقاومة ماديا ومعنويا.

إن ما نراه من تسابق المقاولين والعمال الفلسطينيين، على تقديم خدمات البناء في المستوطنات لهو أمر مؤسف، لأنه يشكل خيانة وطنية يجب وقفها فورا. والقول بأن هؤلاء المقاولين والعمال يسعون لمصالحهم المعيشية، وهذا عذر أقبح من ذنب، فهم بفعلهم هذا يرسخون قواعد الاحتلال من خلال بناء المستوطنات (العسكرية ) فوق جماجم ودماء الشهداء، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الحفاظ على تلك الأرض المقدسة.

لقد ضرب الفيتناميون مثلا رائعا في مقاومة المحتل الفرنسي في أواسط القرن الماضي، وأجبروه على الرحيل بعد أن أوقعوا به خسائر فادحة. وكان رئيس الجمهورية هوشي منه، قد حدد في ندائه الأول للمقاومة الوطنية عام 1946، طبيعة الحرب القادمة مع الفرنسيين ببساطة إذ قال : ” إنها حرب كل الشعب، من يملك البندقية فليستخدمها، ومن يملك السيف فليستخدمه، ومن لا يملك سيفا يستخدم المعول أو الفأس أو العصا، وأن يشارك كل مواطن بجهده في المعركة “.

ويقول الجنرال جياب ” إن حرب التحرير الفيتنامية من وجهة النظر العسكرية، أثبتت أن جيشا شعبيا غير مسلح جيدا، ولكنه يقاتل في سبيل قضية عادلة، يستطيع باستراتيجية وتكتيك مناسبين، أن يخلق الظروف المطلوبة للانتصار على جيش حديث تابع للامبريالية العدوانية “.

أما خطابات وكتابات القائد ( تران داو ) التحريضية، فقد لعبت دورا هاما في تعبئة القوات الفيتنامية على القتال حيث قال : ” في كل الأزمنة ضحّى الرعايا المخلصون والفرسان الأفياء بأنفسهم من اجل وطنهم، لو أن هؤلاء الأبطال اختاروا العيش الهادئ إلى جانب الموقد مثل النساء حتى يموتوا حتف أنوفهم، فكيف يمكن أن تسجل أسماءهم في سجل التاريخ، وكيف يمكن أن يكونوا خالدين خلود السماء والأرض ؟ “.

هكذا تتحرر الأوطان وتتحقق الحرية والاستقلال، ببذل الدماء والتضحيات لا بالمفاوضات العبثية، وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. فهل يمكن أن نرى في الأيام القادمة ” هوشي منه الفلسطيني ” الذي يذكي شعلة المقاومة اقتداء بما فعله الفيتناميون، ويعيد القدس والأرض المحتلة لأصحابها حرة مستقلة ؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى