المبرمج الأردني …. أفضل مثال على أسوأ اغتراب / عمار القطامين

المبرمج الأردني …. أفضل مثال على أسوأ اغتراب

عدد سكان الأردن “الأصليين” دون احتساب اللاجئين والزوار والوافدين بالكاد يصل إلى سبعة ملايين نسمة، منهم مئة ألف مبرمج كمبيوتر، نضيف على هذا العدد عشرات الآلاف من المهندسين المحترفين في برمجة الكمبيوتر وعشرات آلالاف الآخرين من تخصصات مختلفة ولكنهم خبراء في تقنية المعلومات وفي البرمجة، مما قد يصل بعدد المبرمجين وخبراء تقنية المعلومات في الأردن إلى ما يقارب الربع مليون. وهذه النسبة هي الأعلى في العالم بالنسبة لعدد السكان. قد لا يضاهيها كنسبة مئوية إلا سكان وادي السيليكون في كاليفورنيا !

هنا تكمن المفارقة، هذا العدد الكبير من الخبراء لم ينعكس على الكفاءة المعلوماتية والتقنية للقطاع العام في الأردن والذي هو شديد التخلف تقنيا ومعلوماتيا، في الحقيقة أنه متخلف إلى حد يثير الشفقة والسخرية. المقارنة هنا ليست بين القطاع العام الأردني والقطاع العام الياباني أو الألماني، وإنما المقارنة مع القطاع العام في الدول الخليجية.

في السعودية على سبيل المثال كل شيء مرتبط معلوماتيا مع كل شيء، بصمة الأصبع مرتبطة مع شريحة الموبايل مع رقم الإقامة مع حالة التأشيرة مع اشتراك الإنترنت مع المخالفات المرورية مع التأمين الصحي مع حالة جواز السفر مع صلاحية الإقامة مع الحسابات البنكية مع معلومات الكفيل مع مع …. عشرات الأمور الأخرى. أي جهة حكومية في السعودية تعرف عنك أكثر مما تعرف أنت عن نفسك، وأي معلومة عنك بالإمكان الحصول عليها في ثواني بمجرد معرفة أي رقم من ارقامك.

مقالات ذات صلة

لذلك الأردني العائد من الخليج يصاب بصدمة من الفارق التقني والمعلوماتي الهائل بين الطرفين، قد تتطلب منك معاملة في الأردن أسبوع كامل وزيارة أكثر من عشر جهات حكومية وعدة واسطات ورشاوي، بينما تستطيع تنفيذ نفس المعاملة في الخليج بدون أن تتحرك من مقعدك وباستخدام تطبيقات الجوال فقط.

هذه النهضة التقنية التي شهدتها دول الخليج، والتي حولت المؤسسات الحكومية هناك من مؤسسات تتعامل بالأوراق إلى مؤسسات ذكية وحولت الشخص العادي من إنسان يخاف من لمس جهاز الكمبيوتر إلى مستخدم يدير حياته كلها بالتطبيقات الذكية، هذه النهضة كان للمبرمج الأردني الدور الأبرز فيها. فهو المبرمج وخبير السيرفرات ومهندس الشبكات ومحلل نظم المعلومات ورئيس قسم ال IT وهو الذي أبدع في الخليج وحوّل ما كان يعتبر ضربا من الخيال قبل عشرين سنة إلى واقع ملموس يعيشه الجميع الآن.
ولكن السؤال: لماذا لم يفعل المبرمج الأردني هذا الإنجاز في بلده؟

الجواب: لأن “البرنامج” الذي تم وضعه لإدارة بلده أكبر من قدرة أي مبرمج على التعامل معه. والحقيقة أنه ليس برنامج، بل هو فيروس لتدمير البلد.
هناك خطة مبرمجة في الأردن لتفريغ المجتمع من الطبقة الوسطى، إما بسحقها والهبوط بها إلى الطبقة الفقيرة، أو بإجبارها على الهروب بحيث يبقى في الأردن غالبية من الفقراء وأقلية من الأغنياء، فالمبرمج مثل أي شخص ينتمي إلى الطبقة الوسطى يضطر مثله مثل غيره إلى الهروب بجلده مع أول فرصة عمل يحصل عليها.

حتى أصبحت الطبقة الوسطى في الأردن أقل ماديا من الطبقة الفقيرة في الخليج، فالمبرمج في الأردن يحتاج ما لا يقل عن خمس سنوات عمل لشراء سيارة متواضعة، بينما يحتاج الفقير في الخليج لسنة واحدة لشراء نفس السيارة، مع أن المنطق يقول أنه إذا كانت السيارة تصنيع اليابان أو كوريا فإن يجب أن يكون سعرها في الخليج أو الأردن نفس الشيء، لكن الحقيقة أن سعرها في الأردن هو الضعف، لأن الحكومة الأردنية تربح من الضرائب والجمارك التي تجنيها من السيارات أكثر مما تربحه كوريا أو اليابان على نفس السيارة!! ونؤكد أيضا أن هذا الجمارك تفرض على الطبقة الوسطى والفقيرة فقط، لأن الغني في الأردن باستطاعته الحصول على سيارة بإعفاء جمركي عن طريق عدة وسائل يعرفها الجميع.

الآن دول الخليج تطورت تقنيا، ولم تعد بحاجة للمبرمج الأردني، والخيارات أمامه إما الخروج النهائي أو الرضى بدفع الضرائب الجديدة المخصصة للوافدين. العودة إلى بلده خيار صعب لأن بلده لن ترحب به. خسرت الأردن مرتين، المرة الأولى بهروب خبرات وكفاءات الطبقة الوسطى فضاعت فرصة استغلال تلك الكفاءات محليا. والمرة الثانية عند عودة هؤلاء من الخليج ومزاحمتهم مع العاطلين عن العمل داخليا.

ما ينطبق على المبرمج ينطبق على المهندس والطبيب والمعلم والمحاسب وكل المهنيين الأردنيين المحترفين من أبناء الطبقة الوسطى، لتبقى ظاهرة هروب الطبقة الوسطى من الأردن ظاهرة فريدة من نوعها وحجمها ونسبتها على مستوى العالم، حيث هاجر نصف القوى العاملة الماهرة من بلد بدون وجود حرب حقيقية معلنة مع أحد، ما عدا الحرب مع ذلك “الفيروس” الذي صمم لتهجير الطبقة الوسطى وتهجير الكفاءات إلى الخليج أو إلى الغرب.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى