الكرامة: اغتصاب وانتخاب ! / نورس عدنان قطيش

الكرامة: اغتصاب وانتخاب !

يسود الأردن حالة من الوهن والإحباط على المستوى الشعبي نتيجة الترّهل الحكومي والإنسلاخ من المسؤولية المترتبة على الأخير للقيام بواجب الشهامة على إثر حادثة سفارة العدو وقتل حارسها مواطنين أردنيين.
حادثة السفارة وتعامل الحكومة مع الجريمة، كانت القشّة التي أقصمت ظهر الشعب الأردني وورقة الكرامة الأخيرة التي أسقطها خريف تمّوزيّ ملتهب.
ما بين احتقان وبركان تأنّ قريحة الأردنيين بما أنعمت عليهم الحكومات المتعاقبة بدروس مجانيّة لمعالجة الأزمات بتنفيسات فكاهيّة رغم الخجل والألم القابع في استدارات النقاط وبين ثنايا الحروف !
يعاني الجسم الحكومي من خلل في الخلايا الحسيّة وتعطّل تامّ في العقد العصبيّة نتيجة الأزمات المتكررة التي أصابت الجسد بإعياء سامّ، ومن باب ذكر عدد من الأزمات المرضيّة التي أوصلت الجسد الحكومي لحالة يُرثى لها: القاضي رائد زعيتر، سعيد العمرو، محمد الكسجي وابراهيم الجرّاح، والآتي إن لم يطبب أسقم !
من ناحية أخرى يأتي مجلس النواب كطبيب عاجز عن أداء المهام العلاجية والرقابية لشفاء الجسد الحكومي والمتمثل برئة الوطن، حال المجلس كطالب اغترب بنيّة أن يُنصَّب طبيباً لحظيرة الحيّ وخان العائلة وقنّ الدال، يعجز بعدها عن تشخيص سعال القحّة ومغص البال.
الحالة الشعبيّة ترزح بين عاطفة الأزمات وشجن الخيبات، ومع كلّ منعطف تنحسر سَكينَة وتنقشع مصيبة، لينقسم الشعب ما بين مبرّر ومزجر في ظلّ غياب حكومي تام لإعلام الأزمات سانحاً الباب على مصراعيه لدكاكين الأخبار العاجلة ومراهقي التحليلات السريعة ليهيم المواطن بين التراب والسراب.
النظر من زاوية أخرى لواقع العقبات التي يمرّ بها الوطن، تظهر الحكومة الشمّاعة الأبقى في حمل أي وزر وتقصير في حلّ المشكلات، لا ينكر أحد ذلك؛ فالتهاون موجود ما غاب الإقدام، إلا أنه يلازم ذلك براءة تامّة للمواطنيين من أيّ توانٍ واستهتار.
أشيد هنا بالرفض الشعبي العامّ للتطبيع مع العدو الصهيوني رغم المحاولات المتكررة بكسر إرادة الشعب للقبول به وجعله مستساغاً دون رفض، إلا أنه يجب على النخب الشعبوية والهيئات المجتمعية إدراك ما تؤول له الأوضاع من ازدياد ملحوظ في التطبيع من تعامل تجاري وتشغيل عمّالي، وممارسة الدور التوعوي لإقناع الجماهير بفكرة المقاطعة والإيمان بها كسلاح سلمي ناجع دون التنصل والإنضمام لمعسكر “العلّاقات الحكوميّة”.
مع كلّ مطب أو دوّار سياسي أترقّب كحال البعض ما سيقوم به مجلس النوّاب؛ الممثل الشرعي للمواطنين، رغم العجز الحكومي في التعامل الجادّ والواعي لتدارك الأزمات، لكن يأبى أن يتخذ النوّاب دوراً يهلل له الشعب ويحمد -إلا من رحم ربي-، لينضمّ النواب كشمّاعة إضافيّة خلف باب المحن والأزمات يعلّق عليها الشعب مما يلفظه من خيبة وإخفاق متناسين دورهم الأبرز في إنتاج نوّاب بعيدون عن الوطن وقريبون من مصلحتهم والعشيرة.
المواطن هو اللبنة الأساسية للبلاد؛ أما أن يعلي حائطها أو يهدم أساسها لتنكشف عوراتنا وتستباح للعيان، لست بصدد تحميل نفسي وأنت المسؤولية الكبرى لتدهور الأوضاع بقدر ما أودّ إيضاحه بأننا نواة ما آلت إليه الأحوال نتيجة الإنتخاب القائم على أساس المصلحة والعشائرية المفرغة لأشخاص بلا كفاءة ومهنيّة لإنتاج مجلس نوّاب شكليّ معيق ومفلس، غير متنكرين لهذا رغم مرارة الحنظل وزيف التقاعس والخذلان، إلا أنه يجب التفكير مليّاً كيف نبدأ بالأوطان من ذواتنا غير مسلّمين زمام أمرنا لرخّ يطير بنا ويضعنا على جادة الرفاه والرزانة والوقار.
الوطن يتطلب العزم والحزم والوقوف معه وقت الأزمات دون الاكتفاء بتشبيك الأيدي والإصطفاف مع فيالق المرجفين لتبادل الأوزار والاتهامات، لذا يجدر بنا مع كل عقبة الإسراع بشمولية النظر للعلاج من كلّ سقم نخشى أن يصبح مزمنًا يستصعب الشفاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى