الفيلسوف المبلول / يوسف غيشان

الفيلسوف المبلول
كان يقول بأن زوجته شرسة ومناكفة وطويلة لسان ويد ، لكنه كان ينسب لها – ربما على سبيل الدعابة السمجة – نعمة تعلمه الحكمة ، حتى صار فيلسوفا عابرا للقارات وعقول البشر في كل الأزمنة والعصور ، ورغم معاناته المزعومة ، إلا انه كان يحث العازبين من تلامذته ومريديه على الزواج قائلا:
– إذا ظفرت بزوجة عاقلة ، فسوف تعيش سعيدا، أما إذا وقعت بين براثن امرأة شريرة نقاقة ، مثلما وقعت أنا ، فانك تصير فيلسوفا مثلي !
حتى بلادته المستأصلة كان ينسب الفضل فيها إلى زوجته الحرون ، ويقول:
– لولاها لما تعلمت أن الحكمة في الصمت ، وان السعادة في النوم.
ذات قرن ، كان يجلس – على عادته- يتفلسف على السابلة والمريدين ، فجاءت أم البنين تطلب منه أن يساعدها في بعض شؤون البيت، ربما طلبت أن يجلب طعاما للعائلة ، أو يقوم بتدريس الأولاد، أو إشعال الموقد ، لكنه تجاهلها واستمر في مناكفة السامعين….. أرعدت وأزبدت ، لكنه لم يأبه، فما كان منها إلا أن جلبت (جردلا) مملوءا بالماء الوسخ ، وصبّته فوق نافوخه.
اندهش التلاميذ لصفاقتها ، واستنكروا فعلتها الممطرة على رأس المعلم الكبير ، لكن المعلم المنقوع بالماء قال حكمته وهو يعطس ويتمخط :
– بعد كل هذه الرعود …لا بد أن نتوقع هطول الأمطار.
الرجل المبلول هو سقراط (أبو الفلسفة اليونانية)ما غيره . وقد أجمعت الكتابات عبر التاريخ على ادانة زوجته ، وتم نعتها بأبشع الكلمات والصفات .
طبعا ، فان ذكورية الرجل وساديته التاريخية هي التي تصطنع القيم والتقاليد وتفّصلها على مقاسه وحسب رغباته. دائما تلوم هذه المنظومات الأخلاقية … تلوم المرأة على أخطاء الرجل الفادحة والواضحة وضوح النصل
في العنق .
لا ننكر أن فيلسوفنا المبجل كان ينجح في تحويل الأمر كله إلى دعابة وسخرية مريرة ، لكنه لم ينجح في فهم المرأة ، مع انه كان أول من انزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، عبر شعاره المعروف :” اعرف نفسك” !
ماذا ينبغي أن تفعل الزوجة بهذا الرجل المهمل لواجباته العائلية ولدورة في تنظيم الأسرة ؟ ماذا تفعل بكائن يقضي وقته في معط الحكي على قارعة الطريق ؟ لماذا تزوج إذا ؟ ولماذا ينصح تلامذته بالزواج ويتهرب في ذات الوقت من المسؤولية الإنسانية عن كيان الأسرة ووجودها؟!
كان سقراط كسولا لدرجة انه تكاسل عن الهروب من السجن … إلى أن أعدموه بالسم . بالطبع كان الرجل فيلسوفا عظيما ، لكنه كان زوجا فاشلا.
أما زوجته فإنها من أوائل الثوريات في التاريخ البشري … الثوريات اللواتي دافعن عن حقهن في الحياة العائلية السوية ….. لم يكن كلامها مجرد نقيق وصراخ في الهواء ، بل كان صرخة احتجاج ضد رجل أضاف الكثير للفكر البشري ، لكنه سرق من أسرته حقها في الحياة الطبيعية.
من كتابي(مؤخرة ابن خلدون)الصادر عام2006

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى