الفلسفة بين الإيمان والإلحاد / د. هاشم غرايبه

الفلسفة بين الإيمان والإلحاد

يسعى معادو الإسلام الى ابتكار كل وسيلة لتفريغ الأجيال الجديدة من العقيدة، بهدف تهميش الدين تمهيدا الى إلغائه إن استطاعوا، يجد هؤلاء الدعم والتأييد من الأنظمة العربية الحاكمة والإعلام المحلي الممول من الغرب، والتي تعتبر نجاحها في هذا المسعى هو معيار الرضى الغربي عنها.
ضمن هذا المجال، ظهرت في الآونة الأخيرة دعوات لتدريس مناهج الفلسفة لتلاميذ المدارس، وفي ظن هذا التحالف أن ذلك سيؤدي أخيرا الى نشوء أجيال جديدة تميل الى الإلحاد.
منبع اعتقادهم الخائب هذا، يعود الى قصور عقولهم عن فهم حقيقة الدين، فهم لم يجربوا يوما استخدام العقل في التأمل والتفكر في آيات الله الكونية والتكوينية والقرآنية، لذلك نشأ عقلا كسيحا لا يبدع إلا في ابتكار المكاسب والملذات، لذا فهم يحسبون أن عقول المؤمنين كذلك، ولا يصدقون أنها تجاوزت تفكيرهم النفعي بمراحل.
ليعلموا التلاميذ الفلسفة، وليدربوهم على التفكير الحر، فذلك سوف يرتقي بقدراتهم العقلية، وعندها وبعكس ما يشتهي هؤلاء، سيزدادوا إيمانا وليس العكس، وهذا ليس ادعاءً ولا أماني، بل حتمية منطقية، فالفلسفة تؤدي الى الحكمة، والحكمة تؤدي الى معرفة علة الوجود، ويستدل الحكيم من ترابط الموجودات بنسق موحد ونظام متماثل على وحدة الموجِد، وبالتالي رفض فكرة عبثية الوجود وعشوائية الموجودات، والذي هو جوهر فكرة الإلحاد، ولصالح الفكرة المنطقية وهي الفلسفة النقيضة، أي فكرة الخلق المنضبط، ألا وهي الإيمان.
الفلسفة وجدت أصلا مع وجود الإنسان، لم تكن ترفا فكريا كما يظن البعض، بل هي استجابة للفطرة التي أودعها الله في كل البشر، والتي توجه المرء نحو البحث عن الخالق، ومن قبل أن تنزل الرسالات والدين.
لذلك كانت المجموعات البشرية مهما كانت متأخرة في معايير الحضارة، كانت تبحث عن الإله في القوى الكونية الجبارة، فالوثنية الأولى لم تكن لقناعاتهم بألوهيتها، بل كانت ترميزا للقوة العظمى المجهولة.
الفلسفة كانت سعي الإنسان منذ القدم لتفسير كنه الأشياء، فهو لم يقتنع أن الريح تهب بذاتها، فقد كان يلحق بها دائما غيوم وأمطار، ويرافقها برق ورعد، وكانت الأرض تخضر بالنبات إثر ذلك، وكان الصيد بعدها يصبح وفيرا، فيتوفر له الطعام والكساء.
لذلك فالفكرة الإغريقية عن أن لكل ظاهرة إلها مستقلا، بطلت سريعا، بدليل ترتيبها كلها دائما وبنسق واحد، فلا بد أن هنالك من يسيطر عليها جميعا، ولا ينازعه آخر، وإذاً لحصل تنازع وتصارع.
هكذا توصل العقل البشري الى وحدانية الخالق، ومن التأمل في أفعاله التي لا خطأ فيها ولا تفاوت، توصل الى أن صفاته هي الكمال المطلق، لكن إدراك كنه الخالق وطبيعته المادية ظلت خارج قدراته.
وعندما وصل تطور العقل البشري الى فهم أنه ليس شرطا لوجود الشيء، القدرة على الإحاطة به بالحواس البشرية المحدودة، جاء الدين من خلال بشر اختارهم الخالق، ليفسر بعض ما لا يمكن للعقل إدراكه، وليبين المنهاج القويم الذي يحقق الصلاح.
هكذا نتوصل الى أن الفكر الفلسفي المستقل، والبعيد عن التوجيه المغرض، ومن ملاحظة هذا النسق والترابط والتنظيم الفائق الدقة في كل ما هو موجود، سيتوصل الى الإجابة عن السؤال البشري الأزلي: لماذا أنا موجود.. وسيرفض حتما فرضية اللاغاية والعبثية والتي هي جوهر فكرة الإلحاد.
يقول “فرانسيس بيكون”: “التفكير السطحي يقود الى الإلحاد، والتفكير العميق يقود الى الإيمان”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى