الفراغ في رؤوسنا / يوسف غيشان

الفراغ في رؤوسنا

نأيت بنفسي منذ سنوات عن الصراع داخل سوريا بعد أن تحول الجميع ، في ساحة الصراع، الى وحوش، فما عاد بإمكاني أن اساند وحشا ضد وحش، مع ان مساندتي لا تعني شئيا وليس لها قيمة تذكر ، فما نحن جميعا سوى متفرجين من الدرجة الثالثة، يعني الذين يشاهدون الحدث عبر الشاشات، تماما كما يتابعون نوادي ريال مدريد وبرشلونة ويوفنتوس.
أما الأكثروحشية وحمقا من جميع الأطراف المتصارعة داخل سوريا، فهو الذي يساند عدوانا ثلاثيا على سوريا – وطننا جميعا- . عدوان من الواضح أنه مفبرك ومتفق عليه بين جميع اطراف المعادلة من غير السوريين – بلا استثناء- وكل واحد منهم يمتلك حججه ومبرراته ومصالحه .
من كان يعتقد قبل عقود ان هناك من بيننا من يساند عدوانا اجنبيا على دولة عربية ؟؟
حتى من ساند العدواني الثلاثي على مصر عام 1956 لم يكن يجرؤعلى الإعلان عن ذلك امام شعبه، أما الان فإن الأفراد قبل الحكام، وبعض قوى المعارضة قبل الأنظمة من تفخر بأنها تساند العدوان الثلاثي على سوريا، لا بل وتختلق له حججا وتبريرات لم يتوصل لها سادة البنتاغون ولا غيره.
ربّما أكون قد ولدت، أو كنت على وشك، لمّا طرح الرئيس الاميركي أيزنهاور مشروعه الاستعماري لتعبئة الفراغ الذي حصل في العالم العربي بعد انحسار الاستعمار القديم وتحرّر الدول واستقلالها، وقد ثارت ثائرة الجماهير العربية في أرجاء الوطن العربي ضد آيزنهاور وامتلأت الشوارع بالمظاهرات المندّدة بمشروع تعبئة الفراغ، حيث أطلق عبد اللطيف أبو جبارة شعار المرحلة الذي صرخت به الحناجر العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، وهو شعار: (الفراغ في رأس آيزنهاور !)
وقد تكاثرت الأشعار والزجليّات والأناشيد التي شاركت في مجهود المعركة الكبرى، منها زجلية محمد الكايد الملقب ب (العرندس) التي تقول:
آيزنهاور يـــــا مهبـــــول
مشروعك ما هو مقــبول
يلعن كسمك عرض وطول
بصرمــــاية خلـيــلــــــــية .
ومن المؤكد، أنّ إخوتنا المصريين أبدعوا، أكثر منا، في المجال الغنائي الهجائي، لقدرتهم العفوية، على السخرية.
وأن ّ السوريين شهقوا أكثر منا جميعا، وأن العراقيين سحلوا أكثر منا، وبكوا أكثر منا، و أن السودانيين عرقوا أكثر منا وناموا اكثر منا، والمغاربة كسكسوا (تناولوا أكلة الكسكسي) أكثر منا، و أنّ الخليجيين لا شكّ شاركوا في معركة المصير بقصائد نبطية أطول من المعلقات السبع، تهجو العلوج وتتغزل بالعرب العاربة … وربّما مات البعض تحت بساطير العسكر، خلال المظاهرات، التي عمّت أرجاء العالمين العربي والإسلامي.
في الخمسينيات كان الفراغ في رأس ايزنهاور..أما اليوم فالفراغ في رؤوسنا.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى