العلاقة السياسية بين المواطن والجمباز / أزهر طوالبة

العلاقة السياسية بين المواطن والجمباز

في صغري كنت أعرف معنى كلمة (الجمباز) من حيث كونها رياضة معروفة، و كنا نطلقها على الرياضي الذي يمارس هذه الرياضة مجازا، و قتها أعتدت الذهاب مع أبي إلى سوق الخضار في اربد , و فيها تفتحت مداركي الأولى خارج محيط البيت و المدرسة , و أحيانا كنت أسمع التجار و الفلاحين و أصحاب المحلات يتحدثون بتكرار عن شخصين أو ثلاث و كانو يلقبونهم بـ (جمباز السوق) , لم أدرك وقتها لِمَ يسمونهم بهذه التسمية و كروشهم معلقة بأجسادهم الضخمة و لا يبدو عليهم هيئة الرياضيين أبداً , فمن أين لهم هذه الصفة و التسمية ؟
بقي السؤال حائرا في ذهني و لم أجرؤ وقتها السؤال من أبي , لكي لا ينعتي بالغبي الذي لا يفهم , بل سألت معلمَ مدرسة يعمل في إحدى تلك المحال الكريهة الرائحة , ككاتب خارج دوامه الرسمي ليستطيع إعالة أسرته الكبيرة العدد , فأجابني ضاحكاً : الجمباز هنا مصطلح نطلقه على الشخص الذي لا يستطيع أحد مجاراته في السوق أو منافسته في شراء أو بيع البضاعة , و ليس لأنه من الأشراف أو من الشخصيات المرموقة بل لأنه يعرف فنون التحايل و الغش على الجميع و له من الكلام المنمق ما يجعلك تقبل على بضاعته مهما كانت سيئة أو غالية , و عند اكتشافك المتأخر للنوعية السيئة لتلك البضاعة لا تجرؤ أن تعيدها أو تستبدلها , فالويل ثم الويل لأي شخص من ينعتهم بالغش و الخداع , فتحت تصرف كل منهم شبان (زعران) مستعدين للانقضاض عليك بإشارة من سيدهم الجمباز و أكل رأسك مقابل حفنة من التبغ أو قليل من الحشيش المخدر .
و بعدها بسنوات كنت أتعرف كل يوم على جمباز جديد ليس في سوق الخضار فقط بل بين تجار التبغ و سوق الماشية و المحلات التجارية و بين أصحاب البسطات و بين المتسولين و اللصوص ….و..و ….
و الأن وفي هذا الواقع المرير أرى كل من حولي أصبح جمبازا و خاصة في مجال السياسة و الضحك على الذقون ,و بقيت أنا ذلك الطفل المعتوه الذي يخشى حتى من السؤال .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى