العقول تشد الرحال! / ناصر شديد

العقول تشد الرحال!

أن يحدثك أحد أشهر دكاترة الأعصاب في الأردن أنه يرتب أوراقه لمغادرة البلاد بلا رجعة واعتبارها محطة اغتراب يزور فيها أهله وأحباءه كل سنة!، ويخبرك قبلها أحد أشهر أطباء قلب الأطفال في الأردن إن لم يكن في الشرق الأوسط بنفس الأمر، فاعلم أن الأمر عظيم وليس بهزل.

أن يسرد لك هؤلاء وغيرهم كثرة التفكير والتخطيط بأن الوجهة ستكون غالباً تركيا، وآخرون فعلوها وغادروا غير نادمين..، وسلاماً على الأردن وأهلها كما يقولون..، فالقضية تستحق التأمل والتوقف، والأمر جد خطير.

أن يسرد لك طبيب الأعصاب ذاته أن الأردن ما عادت كما كانت، فالرجل أصبح مثقلاً بالأعباء المالية!، رغم وضعه المالي المميز، قال لي: إن مبلغ ٥٠٠ دينار شهرياً تستطيع العيش بها في بلاد العم “أوردغان”، بينما تُصرف هنا في يوم واحد من دون أن تفهم كيف ولماذا؟!!، مع أن دخله اليومي يصل إلى ٥٠٠ دينار، لكن الهجرة تراوده.

مقالات ذات صلة

قبل يومين كتب الصحفي نضال منصور رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين في الأردن بوست تضمّن أنه سيغادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمدة ما “سعياً لتعلم اللغة”، وربما هرباً من صعوبة التأقلم بعد مضايقات تعرض لها ومركزه بدعوى التمويل الأجنبي!، منصور أراد كما قال النظر من بعيد للمشهد الأردني، وهو شخص اختلفت معه أو اتفقت!، أول من أسس مركزاً للدفاع عن الصحفيين في الأردن والدول العربية، وله مجهود مميز.

أصدقاء كثر من الصحفيين والرجال الأعمال بدأوا بتكون نواة عمل وباشروا العيش مع أبنائهم لسهولة الإجراءات وتشجيع الدولة هناك لهم، فالأمر لا يحتاج كسر ظهر حتى يبدأ مشروعه بدءاً بالمعاملات ونهاية بموافقات أمنية “سقيمة”، مغلفة بطابع إجرائي رغائبي، لا قانون فيه ولا قرار ولا حتى من الدستور!.

عندما تفكر العقول الناجحة بالهجرة من الأردن فاعلم أن الكيل طفح عندهم، وما عادوا يجدون جدوى في البقاء فيها!، فهي تسحب ولا تعطي، وانظر أيها البصير باتجاه تركيا؛ ترى رحلات الطيران إلى أسطنبول ممتلئة لا تتوقف ويزداد أعداد رحلاتها ومسافروها سنة بعد أخرى، وكأنها العاصمة الموعودة!، القضية تحتاج إلى قراءة أعمق، وإن كانا لم نقرأ المشهد بعد فعلينا قراءته وفهمه جيداً.

إذن نحن لم نسلخها بل هي من فعلت، نحن لم نتغيّر بل هي من فعلت والقائمون عليها، بدءاً من الضرائب المبالغ فيها وبأعدادها التي وصلت إلى مئة ضريبة، ومن دون مقابل يذكر، وليس انتهاءاً بارتفاع الأسعار والغلاء الجنوني وأخيراً وليس آخراً الشعور بالغربة!، فالمسألة أصبحت تقطيب خوازيق وبقاء الضرورة.

يذكرني حال الأردن بفيلم “أفواه وأرانب” للفنانة القديرة الراحلة فاتن حمامة، فبحجم ما تعمل وتقدم لأبناء أختها من طعام وملبس بحجم نقص لا يسترهم..!.

والله من وراء القصد..
#ناصر_شديد

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى