الصيدلة بين الخصوصيات و الصيغة التكاملية / د . عامر مقابلة

الصيدلة بين الخصوصيات و الصيغة التكاملية
لا شك أن الصيدلة موجودة و متأصلة تاريخيا كممارسة في حياة الإنسان وهي قديمة قدم المرض و الألم, أي أنها من أوائل الممارسات التي قام بها و احتاجها الإنسان منذ أول الخليقة حين بدأ محاولات و تجارب لمعالجة الأمراض أو تسكين الآلام التي كانت تصيبه باستعمال ما توفر له من أعشاب و نباتات ذات مفعول طبي. وهذه التقدمة التاريخية توطئة لتوثيق خصوصية الصيدلة كممارسة أصيلة وأساسية في تاريخ الشعوب وكانت من الأهمية بمكان بحيث تتقدم على كثير من المهن كونها تمس أول احتياجات الإنسان الأساسية التي أشار إليها “ماسلو” في نظريته الشهيرة عن حاجات الناس.

أما فيما يتعلق بالصيدلة كمهنة فلا بد أيضا من الإشارة و التأكيد على خصوصيات بالغة لهذه المهنة تميزها عن غيرها من المهن الطبية و غير الطبية عالميا و محليا و سأحاول أن ألقي الضوء على أهمها تاليا:

1- تقوم معظم المهن أساسا على قيام منتسبيها من أطباء أو مهندسين أو محاميين أو ممرضين أو معلمين,…… بتقديم خدمات أو استشارات للمجتمع من أفراد أو هيئات و يمنع قانونا على أعضاء هذه المهن القيام بأي أعمال تجارية مباشرة تتعلق بالبيع بل إن قانون هذه النقابات المهنية يحرم و يجرم أي صورة من صور المتاجرة بالبيع على جميع منسوبيها, فلا يجوز مثلا للطبيب أن يقوم ببيع أي سلعة للمريض وفقا لقانون نقابة الأطباء.
وخلافا لذلك فإن مهنة الصيدلة لا تقتصر على تقديم استشارات و خدمات للمجتع “و التي تعد جزءا أصيلا و رئيسا من أبجديات المهنة” بل تتعدى ذلك إلى القيام بأعمال التجارة الصريحة بالأدوية و السلع و المستلزمات الطبية بطريقة احترافية و مهنية مشرعة قانونا لا وبل مطلوبة مجتمعيا بحيث لا تستقيم الخدمات الصحية في أي بلد من دون قيام الصيادلة بتقديم هذه الخدمات و الاستشارات و التجارة.
وهذه الخصوصية هي حجر الرحى في استدامة و تطور أي قطاع طبي في أي مجتمع وهي مسئولية وثقة و ضعها المشرع على كاهل الصيادلة دون غيرهم حين شرع و قونن قيامهم بأعمال تجارية في حين اعتبر ذلك نقيصة في المهن الأخرى بل جرمها و منعها عنهم.

2- يتميز القطاع الصيدلاني أيضا بميزة قد تصبح سلبية إذا لم يتم تقنينها و معالجتها لكبح التنافس و إعلاء روح التكامل, حيث نجد معظم أفراد المجتمع الصيدلاني يعتمدون و يقومون و بشكل أساسي على المعاملات التجارية أو التنظيمية مع بعضهم البعض, و من الثابت بأن ما يتجاوز 90% من التعاملات الأساسية التي يجريها أي صيدلاني تكون مع أو من خلال صيدلاني آخر سواء كانت هذه التعاملات رقابية أو تنظيمية أو تجارية , و عليه يكون ذلك مدعاة لحصول خلافات أو نزاعات مع زملاء مباشرين نظرا لأن كل طرف يسعى للحفاظ على مكتسباته و حقوقه , فالصيادلة يعملون بما يشبه حلقات متشابكة بغض النظر عن حجمها تقوم كل منها بالضغط على الأخرى فمثلا مستودعات و شركات الأدوية يملكها صيادلة و تخضع لرقابة و تنظيم مؤسسات صحية أو صيدلانية يقوم عليها صيادلة, وتوظف هذه الشركات صيادلة للقيام بأعمال الترويج العلمي و تبيع منتجاتها إلى زبائن هم في غالبيتهم صيادلة مالكو صيدليات سواء مستقلة أو سلاسل و يوظفون أيضا لديهم صيادلة و هكذا فإن معظم ما يسمى Stakeholders هم صيادلة يشكلون تيارات مهنية تدفع باتجاهات مختلفة فهي ذات مصالح مشتركة أحيانا و متضادة في أحيان أخرى و لعل ذلك هو أساس الفرقة و الانشقاق الحاصل داخل النقابة .

3- لا زالت الصيدلة مهنة جاذبة و تستقطب الكثير من الراغبين في الالتحاق بالقطاع الصحي حيث تتميز بانعدام البطالة في صفوف خريجيها تقريبا عالميا و محليا و لازال الصيادلة مطلوبين و بشدة للعمل خلافا للبطالة الحاصلة في مهن أخرى بل و يتوقع أن تشهد استمرارا في النمو و الطلب بمعدل 14% حتى عام 2022 وفقا لآخر المؤشرات, كما صنفت مجلة Forbes الصيدلة كأفضل المهن الصحية من حيث الأجور و الطلب في الولايات المتحدة عام 2015, و أشار استطلاع لمؤسسة Gallup بأن الصيادلة يعتبرون ثاني مهنة في تصنيف المصداقية و الأخلاقية المهنية في الولايات المتحدة في قائمة يتذيلها أعضاء الكونغرس !!!

إن مهنة تحمل كل هذه الخصوصيات الكبرى تاريخيا و مهنيا و أخلاقيا ستواجه حتما تحديات عظمى في المجتمع و طموحات ذات سقف عالي جدا من قبل منتسبيها, و من المأمول بل و الحتمي أن يعيً الجميع و خاصة من يطرح نفسه للعمل النقابي العام هذه الخصوصيات و ما تحمله معها من تحديات و طموحات حتى يتمكن من تشخيص الخلل و يعمل جديا و احترافيا على الخروج “بصيغة تكاملية” تعظم الجوامع و تقزم الفوارق بين أعضاء المهنة الواحدة و تراعي مصالح جميع التيارات المهنية من موظفين, وعاملين في الترويج العلمي , و أصحاب صيدليات , و مالكي سلاسل صيدلانية , مستودعات و شركات و غيرهم بحيث تحافظ على الخصوصيات سالفة الذكر و تسخرها لخدمة الصيدلة و تنهض بالمهنة و تطورها و تنظمها بما يحقق ازدهارها و يضمن مصلحة منتسبيها الجامعة.

وكلنا يعلم أن تكرار علاج الالتهاب بنفس المضاد الحيوي لا يجدي نفعا و لذلك يجب استعمال نوع مختلف يؤثر بشكل فعال و سريع.
فليست العبرة بمن سيعتلي سدة النقابة خلال الثلاث سنوات القادمة بل بما يحمله من رؤية ثاقبة و خطة عمل واضحة فليس من مصلحة أحد أن تستمر الأمور على ما هي عليه و أن نسيرعلى نفس الدرب بحيث ندور في حلقة مغلقة لنجد أنفسنا “محلك سر”, و كما قال إيليا أبو ماضي:

قل للذي أحصى السنين مفاخرا***************** يا صاح ليس السر في السنوات
لكنه في المرء كيف يعيشها ****************** في يقظة أم في عميق سبات

و دمتم يقظين سالمين……………………

د.عامر مقابله

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى