الصراع على الفراغ .. كيف نملأ الفراغ !

الصراع على الفراغ .. كيف نملأ الفراغ !
اسماعيل أبو البندوره
لعل من أفدح سوءات هذا الزمن العربي الجديد انبثاق مثل هذا الفراغ المفزع في فضاءات الوطن العربي وتزاحم الاندفاعات الطامحة والطامعة عليه وغياب الاستجابات وردات الفعل المفترضة والضرورية على كل ما يجري من استباحات وانتهاكات ، وقبول حالة الاستنقاع والفراغ بشكل قدري ، ونشوء قابليات هجينة باستمراء الحالة والعمل على دوامها واستمرارها .
ولعل من أعجب مشاهد هذا الزمن العربي الموحش الاقتناع الوضيع بأن هناك من يستطيع أن يأخذ دورنا في القرار والاستمرار وأن يحل خططه مكان خططنا ومشاريعنا ، وأن يستعملنا كورقة في حراكه ومبادلاته ومساوماته مع الدول الأخرى وأن يلغي وجودنا التاريخي والسياسي ويحوله إلى تراث وأساطير ماضوية ومتحفية مندثرة لا تغني ولا تسمن من جوع .
وكل ذلك يثير ويحرك السؤال المدبب والمسترسل : من الذي صنع لنا هذا الغياب والفراغ وجعلنا لقمة سائغة لجدلية الابتلاء والابتلاع ؟ ومن الذي أنشأ في بلادنا السوءات والأعاجيب والخيبات ؟ وبالحسبان أن الجواب حاضر لدينا وهو فينا قبل أن يكون من صنع غيرنا وكنا نستظهره في أكثر من حالة ومقام ونشهده في الاستبداد وانعدام مجالات الحرية وتغييب المجتمعات ، ونتلمسه في التفريط والتنازلات المديدة للأعداء وانعدام الاستقلال ، ونعاينه في الاعلام وكل محاولات التلاعب بالعقول ونراه في انعدام العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء والسفاهة في تبذير المال العام ونطالعه مأساوياً في محاولة تجريف الثقافة والوعي والإبقاء على ثقافات رخيصة باهتة تتعلق باليومي والعابر والتفكير بشروط العيش ودوام البقاء .
كانت اشكاليتنا الكبرى ولا تزال في الاختلاط وفشو فوضى التفكير والتحليل والقصور في استبصار الحاضر واستشراف المستقبل وعدم التوافق على الرؤية والمسارات والمشروع وعلى كل البداهات المحيطة لاستدراك حالنا ووجودنا . والكل يلاحظ انعدام الرؤية وتضببها والكل يرى عدم التوافق على عناصر المشروع الممكن والمفترض للنهوض وتجاوز حالة التأزم إن لم نقل على كيفية صياغة مثل هذا المشروع ، وغابت عنا المسائل الكبرى وبقي لدينا التنازع والانقسام والتعصب والعصبويات والتأخراكيات بكافة ألوانها وصنوفها واختفى من أمام ناظرينا خط التاريخ ومتطلباته وحاجة الأمة إلى الانتهاض وإثبات الوجود ونشأت المتاهة التي نعيشها في هذا الزمن العربي الجديد وتبدى الانحلال والتفرق والهوان بأبشع ألوانه وكيفياته .
ويبقي أمامنا سؤال المستقبل المؤرق الملح والماثل في عقلنا وحياتنا كيف نحدده ونبقيه أمام خيالنا ، كيف نتصوره ونضعه في مدارات عقلنا وحياتنا ليكون دافعاً للحفز والتغيير ؟ وكيف نشتق من هذا الحطام العربي الشاخص قدامنا النوى والبدايات ؟ كيف نتجاوز أزمتنا ونخرج إلى فضاء جديد ؟ إنه السؤال الذي يتحدانا في المرحلة الراهنة ويبقينا في حالة انشداه وتململ وهو السؤال الذي قد يأخذنا إلى مدارات جديدة من التحليل والتفكير ويملأ هذا الفراغ إذ لابد في كل الأحوال من صناعة بداية ولابد من نقطة بداية ، فهذا الصراع المرير الذي يخاض داخل فراغ امتنا ويمتد إلى أدق مفاصل حياتنا العربية لابد أن يوصلنا إلى حافات خطرة من الفشل والانقراض واخراجنا من التاريخ ولا بد للأمة في كل لحظاتها ومراحلها أن تعي وتدرك الخطر وتنهض وتملأ الفراغ قبل أن تجتاحنا جحافل ملء الفراغ ويصبح مجالنا العربي قاعاً صفصفاً كالعصف المأكول وعندما لا تنفع شفاعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى