السجون الأردنية / 3 … منصور ضيف الله

السجون الأردنية / 3
أشعر في أحيان كثيرة بالذنب تجاه سواليف ، شعور يدفع بالخجل ، وربما « الاستعباط » ، أو الغفلة !! فبعض مقالاتي روحها بدوية ، تهجم على ما أتصوره حقيقة . تجانف لياقة المدينة ، وحسها الحضاري . تحملني الزعبي كثيرا ، رفض بعض المقالات ، غير بعض الصيغ ، ولعله أعاد قراءة ما أكتب قبل النشر ، بصراحة هي مهنيته الأخلاقية العالية ، وحسه الرفيع ، وتكوينه الثقافي ، رغم معرفته باختلافنا الاجتماعي ، وتكويننا الفكري . الزعبي يمارس قناعاته العميقة ، وأنا أشكره وأحييه .

لا خصوصية ذاتية لسجين ، تغيب صباحات فيروز ، بقايا النعاس ، عبق النعناع ممزوجا بالشاي ، تقريع الحجة الدائب ، الهاتف الصباحي … وإرادة التحدي اليومية . الخصوصية هنا رقمية ، عددية ، مجرد عدد تهمس به شفاه المأمور . يكتمل العدد ، وينسل الجميع إلى الداخل باستسلام كامل ، وإرادة مكسورة . عادة يتم العد بعد العشاء ، وقبيل الفجر ، أوان تبديل المأموريات ، مرحلة مهمة لا يتخلف عنها أحد .

في طريقنا للجنوب تطول المسافات ، ستة عشر سجينا في زنزانة صغيرة ، مقيدون من الخلف ، الجميع يحدق في الجميع ، تكفيهم لغة العيون ، والشعور المشترك ، وحلم الخلاص والنجاة . الجنوب غال ، ولي فيه ذكريات لا تنسى ، لكن « القيمة» في هذه اللحظة ترتبط «بالمعنى» ، والمعاني أسيرة الأفكار ، وما يداخلها من أخيلة . كانت رحلة جبلية صعبة انتهت في باحة صغيرة . ثمة رجال كثر في الانتظار . يتطلعون بانتباه شديد . ربما أحد الأقارب أو المعارف ، وعلى أقل تقدير « عمانيون » جدد تغطي أجساد البعض وشوم مزركشة .

الشمس تتعامد مع الساحة ، والجميع ينتظم في طابور طويل ، والتعليمات تلقى بصوت عال ، لا يخلو من نبرة تهديد ووعيد . يتكومون في غرفة « أنيقة » ، حمولة سيارتين ، يفترشون الأرض ، يدخل « وكيل» ، يكرر التعليمات ، ويطلب منهم الانضباط .

مقالات ذات صلة

مرة أخرى يصطف الجميع في طابور . تبدأ مرحلة التصوير ، وإعداد الإضبارة ، ثم التفتيش البدني الدقيق ، واستلام الأفرهول ، والتوزيع على مهاجع « الكرك » . الضباط يرقبون المشهد بعناية ، لا تبدو على وجوههم علامات الانفعال ، الجميع يتهيأ للدخول . وحيدا كنت أجرجر قدمي نحو مهجع B 5 . أنزلق داخلا ، وتصطك القضبان الغليظة ، يتردد صداها في الفضاء المفتوح ، معلنة بداية مرحلة جديدة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى