الساكت عن الحقّ / يوسف غيشان

الساكت عن الحقّ ..
لا أعرف من أين جاءني هذا المرض النادر ، أنا رجل حريص ونضيف ، ولا آكل لحم أحد ولا أمارس النميمة.. حتى في المدرسة عندما كانوا يتحدثون عن الشخصيات التاريخية مثل نابليون أو موسوليني أو سبارتاكوس أو الإسكندر ذو القرنين ، كنت أسكت ، فأنا لا أحب الحديث والتكلّم عن الآخرين ، لا بغيابهم ولا بوجودهم .
عندما احتلّوا الجزء الأكبر من فلسطين ، سكت تماما ، فأنا لا أفهم في هكذا أمور .. وأفضل السكوت حتى لو كنت على حق ، حتى لا أقع في المعصية أو في احتمال الخطأ.. كذلك سكت عندما أجهزوا على بقية فلسطين وأضافوا إليها الجولان وسيناء .
طبعا ، سكتّ عندما دخلوا بيروت .
وسكت عندما احتلوا العراق .. أحب السكوت حتى لو كنت على حق ، فالسكوت من ذهب حتى لو كان الكلام من فضة.
هذه حكمة تعلمتها من أبي رحمه الله ، الذي ظلّ ساكتا حتى مات ، على السكّيت .
– عندما أعلنوا الاحكام العرفية سكت !
– ولمّا رفعوا الأحكام العرفية سكت !
– أجروا انتخابات .. فسكت !
– زوّروا الانتخابات .. بقيت ساكتا !
– ارتفعت أسعار كلّ شيء فسكتّ !
– انخفضت الرواتب فسكت !
– باعوا الأراضي فبقيت ساكتا !
– اشتروها مرة ثانية سكتّ !
– باعوها مفروشة فسكت !
أنا كائن محترم أعتبر السكوت على الضيم أفضل بكثير من الحديث عنه ، لأن ذلك قد يمهّد لمقاومته ، والمقاومة عادة ما تشعل نيرانا تحتاج لضحايا بشرية قد أكون إحداها.. فـــ لأقطعها من قصيرها وأسكت عن الكلام المباح .. حتى لو جاء الصباح .. والديك بح صوته من الصياح.
لذلك فأنا لا أستحق هذا المرض الذي جاءني من حيث لا أدري ، في البداية ، شعرت بوخز في أعلى الجبهة ، ثم ظهر نتوءان في أعلى رأسي وشرعا يكبران بسرعة حتى تحوّلا إلى قرنين ، تدريجيا غطى الشعر وجهي ، استطالت أذناي إلى الأعلى ، أحمرّت عيناي ، وارتسمت ، رغما عنّي ، ابتسامة شيطانية على شلاطيفي .. حاولت التكلّم ، فلم أستطع .. فقد تحوّلت إلى شيطان أخرس !!
هل تعرفون لماذا ابتليت بهذا المرض ؟؟؟.. أنا لا أعرف!!
من كتابي(لماذا تركت الحمار وحيدا)الصادر عام2008

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى