الراعي والقطيع..

مقال الاثنين 30-5-2016
الراعي والقطيع..
أنتظر بفارغ الصبر أن يكمل أولادي امتحاناتهم النهائية ،أعتقد أن المدّة المتبقية ستكون كافية لاتخاذ القرار ، وإذا عزمنا الأمر ، سنترك الشهادات في غرفة المدير ونغادر إلى غير رجعة..صحيح أن الموضوع ما زال قيد الدراسة ،لكنّي متحمّس جداً للفكرة فالمرء يعيش مرة واحدة في حياته لا داعي لأن يقضيها في “حرق” الأعصاب والاضطراب النفسي بسبب الأحداث السياسية والركض وراء لقمة العيش…
الحياة أسهل من ذلك بكثير، سأشتري من سوق “الفرواتية” “نصف دزينة” من الفراء: رجالي،ستاتي ،محير،ولادي ،بناتي” لي وللعيال..كما سأشتري نصف دزينة من “الجزم” الطويلة من سوق “الجزماتية” أيضاَ لنفس الفريق المهاجر،وبعض أغطية الرأس والرماح ذات الرؤوس المدببة المستخدمة في الرعي وكثير من التبغ العربي الحار…سنرتدي ملابسنا الجديدة ونحن في صالة الانتظار قبل الإقلاع إلى “التبت” حيث يعيش هناك خوالنا بدو الهيمالايا في أعالي جبال منطقة “تشانغ تانغ”..على الحدود الهندية التبتية..هناك لا طبقية ولا نفوذ، لا سياسة ولا حروب ،كل القبائل هناك تعمل في الرعي والزراعة ، حيث يقضي السكان معظم أوقاتهم في البحث عن الأعشاب للماعز في الجبال الثلجية كواحد من أمتع مراحل صراع البقاء..
بدو الهيمالايا اضطروا للعيش في تلك المنطقة النائية والمرتفعة بعد الغزو الصيني في منتصف القرن الماضي ،يعيشون وحدهم هناك بمعزل عن العالم كله لا يفكرون في الاندماج ولا يغريهم التطور، هم تأقلموا مع مسالمة الأرض والناس ، وها هم يقطفون زهرة السعادة بسبب السلام الداخلي والحريّة المطلقة والاستقلال في القرار، لا أحد يكشف سرّ سعادتهم في هذه المنطقة الباردة من الكوكب المشتعل..
تقول التقارير أن بدو الهيمالايا لا يعرفون النقود حتى اللحظة كل تجارتهم تبدأ وتنتهي في المقايضة ، كما انها لم تصلهم التكنولوجيا بعد، لا مذياع، لا تلفزيون، لا هاتف ذكي، هم يعيشون كما يجب ان يعيش الإنسان الحقيقي، ببرية مطلقة وبسيادة كاملة …
سأتخذ كوخاً صغيراً بينهم أشعل ناراً خفيفة وقت الغروب ، وأطلق على نفسي اسماً “تبتياً طويلاً ” بما معناه: “العربي الصغير الهارب من وطنه الكبير” ،هناك سأقايضهم ؛ أربعة رؤوس من الماعز وتيساً لزوم التكاثر بـ”ماكنة حلاقة” على بطاريات ، سأصبح مثلهم وأصنع جدائلاً لطفلتي مثل أطفالهم ..سأنحني لكل المارين بسلام وأطبق كفيّ “التحية” كلما رأيت كبيراً او سيدة أو جار قريب، هناك لا أخبار عن الحروب، لا أخبار عن الفساد والسمسرة، لا مواقع تواصل اجتماعي الا في المراعي المتجمّدة حيث تكون الحياة الحقيقة…
هناك سأرتقي من رتبة “رأس في قطيع عربي” أمارس الثغاء عند الجوع والعطش فقط ..إلى راعٍ متوّج بإكليل غار… سيداً حراً ملكاً …أملك كامل الصلاحيات في قيادة قطيعي الجميل…

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫7 تعليقات

  1. غير تا تسولف قدام الكل … يعني لو ظليت ساكت تا طلعت بالطيارة عالاقل … لانه هيك راح يلبحوا لك بالمطار .. يا بدفعوك ضريبة هروب وتهريب دافعي ضرائب … او بمنعوك من السفر على اعتبار انهم سيخسرون جزءا من اغلى ما يملكون … والخوف كل الخوف ان يعتقلوك بتهمة تهريب ” فروة” وطنية ومش وحدة سبع فروات وطنية …
    شوف .. اذا قدرت تحقق هالامنية اللي بيتمناها ملايين مثلك … يا ريت تبلش بانشاء جمهورية الراعي والقطيع للارادنة في التبت وراح تلاقي الكل اشترى فروة وبوط ولحقك … ليش راح نلاقي راعي مثلك وين ..؟

  2. اه لو يعلم الناس كم نشتاق الى خالص ذواتنا وكم لويدركوا ان القوانين والاطر والسياسات ودساتيرنا الكامنة خلف مجسماتنا الحائرة التي تعاني الامرين من غلو الحاضر وتناقضاته لتضعنا قطرة في محيط لا نملك من امرنا الشيء الكثير فتارة نقذف لليابسة وتارة نغوص في اعماق المحيطات وتارة نتبخر للتغير خواصنا وربطات العنق ولنتشكل من جديد على هيئة جديدة لربما تحملنا السحب لنعود على شكل حبات من الغيث يستبشر بنا اناس كثر ولكن سيبقا هنالك شيء في اعماق الداخل اعمق من ان يتشكل او يتغير حتى وان تبخر الماء لن يكون سوى ذرتان من هيدروجين وذرة أكسجين تماما كذلك هو حب الوطن ثابت بثبات الوجود

  3. لهجر قصرك وارجع بيت الشعر ………..ان ذهب الشرفاء من يبقى يا المبدع احمد

  4. جميل… جميل… جميل يا عزيزنا أحمد…. و قد يُرافقك قطيع غير قليل من القطعان التي و صَفَها سعادة النائب السابق “اللي بالي بالك”… بَس دير بالك على حالك 🙂

  5. كلامك استاذ احمد في الصميم لكن مشكلة العرب هي في الجينات ولو على سبيل الغيره رحلت عائلة اخرى الى التبت سوف يحصل معك ما يحصل قبل هجرتك الميمونه لان الحسد والحقد والتقليد هي من طبعنا بل هي مجبولة في دمّنا لان جيناتنا هكذا …. لا يرتاح العربي الّا بالعودة الى الصحراء حيث النقاء والصفاء ولكن ان تكاثر العرب هناك فاننا سنعيد حرب داحس والغبراء لاننا سنتقاتل على الكلأ والماء … اعتقد ان راحتك في التبت هي مؤقتة … شئت ام أبيت مع تحياتي لك ولعبارتك الرائعه في ذيل مقالك : في ارتقائك من رتبة رأس في قطيع عربي تمارس الثغاء عند الجوع والعطش فقط الى راعٍ متوج باكليل الغار ….

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى