الذئب الأبيض بين الحكومة ومجلس النواب

الذئب الأبيض بين الحكومة ومجلس النواب
موسى العدوان

حدثني أحد الأصدقاء بالقصة التالية التي انقلها عنه بتصرف : اثنان من المزارعين كبار السن كانا رفاق العمر، اعتادا على العمل بأرضيهما المتجاورتين، والواقعتين على جبلين متقابلين يفصلهما واد عميق. وكان هناك ذئبٌ أبيض اللون يتسكع بينهما باحثا عن الطعام. استطاع الرجلان ترويضه وأطلقا عليه اسم ( أبيض )، وعوّداه أن يلبي ندائهما عند مناداته بصوت عال ( ياااا ابيض )، فيركض إليهما يطعمانه ويداعبانه وكأنه قط وديع وليس ذئبا متوحشا.

وفِي أحد الأيام حدثت خصومة بين الرجلين فقُطعت العلاقات بينهما، ولم يعد بينهما شيء مشترك إلا صديقهما المُروّض الذئب الأبيض. وفِي ظهيرة يوم صيف قائظ جلس الرجلان للاستراحة، كل على حجر عند قمة الجبل في أرضه، فكانا متقابلين يفصل بينهما الوادي السحيق. نادى أحدهما بصوت مرتفع (ياااا ابيض) فجاء الذئب ابيض راكضا. وما أن وصل عنده حتى سمع الرجل الآخر على قمة الجبل المقابل يناديه (ياااا ابيض)، فركض إليه ابيض هابطا الوادي الوعر، وصاعدا سفح الجبل الشاهق ليصل إلى مناديه.

أما الرجل الأول فانتظر إلى أن شاهد الذئب الأبيض يصل إلى رفيقه السابق، وفورا ناداه مرة أخرى ( ياااا ابيض )، فقفل أبيض راجعا يركض بنفس الطريق المرهقة، وفور وصوله إلى الرجل الأول ناداه الرجل الثاني مرة أخرى. واستمر الذئب الأبيض يركض بين القمتين عندما يسمع النداء من أحد صاحبيه حسب عادته.

مقالات ذات صلة

وبقي الرجلان يغيظان بعضهما، وكل واحد منهما ينتظر إلى أن يصل الذئب الأبيض المسكين إلى الآخر فيناديه. استمر هذا الوضع من ظهر ذلك اليوم القائظ إلى ما بعد العصر، والذئب لا يرتاح لحظة واحدة راكضا ذهابا وإيابا، هابطا سفحا صاعدا سفحا لكي يرضي الطرفين، إلى أن أتت لحظة نادى بها أحد الرجلان الذئب الذي هبط إلى الوادي ليلبي النداء.

ولكن هذه المرة طال انتظار الرجل الذي ناداه ولَم يصل ابيض إليه، وكذلك حدث مع الرجل الآخر. ولمّا طال انتظار الرجلان بعد أن نادياه كثيرا ولَم يستجب لهما، هبط كلاهما من جبليهما ليبحثا عن الصديق أبيض. وعندما وصلا إلى قاع الوادي وجدا الذئب الأبيض جثة هامدة، فقد مات ابيض كمدا بالسكتة القلبية، نتيجة للإجهاد الذي تسبب به الرجلان.

هذه القصة تجسّد أمامنا محاولات الترويض وتبادل الأدوار، الذي تمارسه الحكومة مدعومة بمجلس النواب، وهما يمثلان دور الصديقين اللذين يجلسان على قمتي الجبلين، يتلاعبان بمصير الذئب الذي يمثل حال الشعب المغلوب على أمره. فمحاولات تسويق قانون ضريبة الدخل الجديد، من خلال لقاءات وزارية في المحافظات وإجراء حوارات تلفزيونية هزيلة، لن يقنع المواطنين بما سيعود عليهم من نتائج هذا القانون الجبائي المجحف.

وما هذه المحاولات البائسة، إلاّ تكرارا للعبة الرجلين سالفي الذكر وبينهما الذئب الأبيض المسكين، الذي قضى نحبه وهو يحاول إرضاءهما على حساب مصيره. ولكنني هنا أودّ أن أذكّر حكومتنا ومجلس نوابنا الموقرين، أن الذئب الأبيض هذه الأيام مدرك لما يحاك له في الغرف المغلقة ولا يمكن ترويضه، بل أنه سيحافظ على طبيعته الشرسة عند محاولة إجهاده والاعتداء على حقوقه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى