الدّماران – ميس داغر

الدّماران

ذهبتْ طالبة ثانوية – من كوكبة الـ 14 سنة خدمة ثانوي- لإجراء مقابلة مع باحث كبير. لم يكن يفرق مع الفتاة إبنة السادسة عشرة إن كان الذي ستُقابله باحثاً أم بائع فجل، فقد كانت تقوم بهذه المقابلة تلبيةً لطلب مديرة المدرسة، التي وعدتها أن تنقذها من الرسوب في الصف في حال نفّذت المقابلة.
استقبلها الباحث النشيط وزوجته الوادعة في بيتهما باحترامٍ لم تحظ به قط في حياتها، مع أنّ الاحترام من عدمه، أيضاً لم يكن يفرق معها.
بعد دقائق من الإستقبال والترحاب مضت الزوجة إلى المطبخ تعدّ الضيافة، فيما شرع الباحث يُطلع الطالبة على أنحاء مكتبته ويشرح لها عن محتوياتها.
في هذه الأثناء بدأت الفتاة تدّعي شيئاً من الإهتمام بكلام الباحث. سألته باندهاشٍ عن سرّ امتلاكه لوقتٍ يقضيه في المكتبة، فأوضح لها باعتزاز أنه من الأشخاص الذين يحسبون نهارهم بالدقيقة، وأنّ كل دقيقة في اليوم تعني بالنسبة له قراءة صفحة في كتاب أو كتابة صفحة في دراسة.
شرعت الفتاة – في خطوة لا تتماشى مع مبادئها- تتفحص عناوين الكتب، ولاحظت أنّ لدى الباحث كتب في شتى المجالات، فتساءلت عن هذا التنوّع. ضحك الباحث ووافق على كلامها، وكشف لها عن أنه يخصّص يومي السبت والأحد من كل أسبوع لقراءات متنوعة خارج تخصصه. أمّا باقي الأيام فيتابع فيها قراءاته المتخصصة.
علا صوت الفتاة باستهجان: هل تقول إنك تقرأ وتكتب في كافة أيام الأسبوع؟!
ابتسم الباحث وردّ مفتخراً بنفسه: طبعاً، فأنا لا اُنهك من القراءة والبحث. كما أنني أقرأ وأكتب حتى في أيام العطل والأعياد!
علا صوت الفتاة مرة ثانية باستهجانٍ أشد من الإستهجان الأول: تقول إنك تقرأ وتكتب حتى في أيام العطل والأعياد؟!
– طبعاً، هذا ما يفعله الإنسان الذي يجتهد في تحقيق هدفه، وإلا ماذا تعتقدين؟. أجاب الباحث وفخره بنفسه يعانق السحاب، مُتيقّناً أنه في هذه اللحظة بات يُمثّلُ القدوة الحسنة للطالبة.
في هذه الأثناء دخلت زوجته غرفة المكتبة، اعتذرت عن المقاطعة ومدّت ضيافتها أمام زوجها والطالبة مثل عبدٍ مُخلص.
تأمّلتْ الطالبةُ للحظةٍ الشحوبَ الظاهر في وجه الزوجة، والذي لفتَ نظرها منذ اللحظة الأولى التي رأتها فيها، ثمّ علّقتْ بجرأة من هم في سنّها:
– أتَودّ حقاً أن تعلم ماذا أعتقد؟ أعتقد أنّ الإنسان الذي يجتهد في تحقيق هدفه لديه أتعس شريك حياة في العالم.
وانصرفتْ من فَورها وهي تمضغُ عِلكتها، غيرُ آبهةٍ للدمارَين؛ الأول الذي أحدثتهُ وراءها، والثاني الذي ينتظرها في الصف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى