الخوف الساكن فينا / سهير جرادات

الخوف الساكن فينا
سهير جرادات

لم أتوقع هذا الحجم الكبير من ردود الفعل على مقالي المنشور الأسبوع الماضي بعنوان: ” ما بعد القتلة “، والذي تناول قضية اعتداء رجال الأمن على أحد المواطنين شمالي البلاد، حيث انهالت عليَّ الهواتف ، والرسائل عبر البريد الالكتروني ،و الواتس آب ، والتعليقات على الفيسبوك ، والتي حملت جميعها أحداثا وقصصا غريبة وخطيرة لا تتوقع حدوثها في بلد الامن والامان، وكلها حدثت فصولها مع المواطنين ، بعضها يُذكر والكثير منها لا يمكن ذكرها أو الخوض في تفاصيلها .

ومن أغرب الحوادث التي سمعتها؛ قصة اعتداء وحشي على شاب في مقتبل العمر ، بالقرب من منزله، وفي وقت ليس متأخرا دون أَي سبب ، اذ تم اصطحابه لأحد المراكز القريبة ، وبعد بحث مضن من والد الشاب ، عثر عليه ، إلا أن المسؤول عن المركز رفض الافصاح عن سبب التوقيف أو حتى السماح للأب بمشاهدة ابنه ، حتى صباح اليوم التالي ، ليتفاجأ الأب بأن وجه ابنه منتفخا ، ولا يكاد يستطيع أن يفتح عينيه .

وعلى الرغم من هول الصدمة التي تلقاها الأب ، إلا أنه اضطر للسكوت عن المطالبة بحق ابنه ، ولم يتقدم بشكوى ، بعد أن وجد التهمة جاهزة لابنه وهي : المقاومة ، معززة بتقارير طبية ، إلى جانب أمر في غاية الأهمية هو خوف الأب من الإجراءات الانتقامية التي قد تتعرض لها عائلته بعد التقدم بأي شكوى ، حيث مرت عليه خلال عمله في أحد الأجهزة الحساسة قصص مشابهة لمظلومين سعوا للحصول على حقهم من خلال رفع دعاوى قضائية، والجانب المستهجن في هذه الحادثة، كيف يستطيع شاب صغير التمكن من عدد من العناصر المدربة والمؤهلة ، ويختم الاب قصته بقوله : صورة وجه ولدي المنتفخ لا تفارقني ، وأشعر بالغضب الشديد، وأقسم كل يوم على أخذ حقه ، حتى ولو كان بعيدا عن العدالة الحكومية أو القضاء ، حيث ما زال مع مواطنين كثيرين مثله يبحثون عن حقوقهم المنتهكة.

من القصص التي استوقفتني أيضا ، تلك التي حصلت مع مجموعة من طلبة المدارس في أثناء خروجهم من احدى دور العرض السينمائي الموجودة في مول شهير بالعاصمة ، حيث صادفتهم مجموعة من المدنيين ، الذين سألوهم عن هوياتهم الشخصية ، فقام أحد عناصر المجموعة بصفع أحد الطلاب كفا ” دوره دور ” وعمره لا يتجاوز عمره 16 عاما ، وذلك لأنه طلب أن يتثبت من شخصية المدنيين فقط، وثارت ثائرة الأهل الذين يعملون في القطاع التعليمي على هذا التصرف ، وتوجهوا للاستفسار عن سبب هذا التصرف الهمجي خاصة في ظل التحذيرات الأمنية من وجود أشخاص ينتحلون شخصيات رجال أمن، والتقاط المدارس لهذه الرسائل وتعميمها على الطلبة ، ورغم المراجعات والمتابعات الحثيثة من قبل الأهل إلا أنهم لم يصلوا إلى نتيجة .

مقالات ذات صلة

ومنها تلك المشادة الكلامية التي حصلت بين شخصين بينهما خلافات مالية ، والتي انتهت بأن هدد أحدهم الآخر بأنه على علاقة طيبة مع أحد المتنفذين ، وعدد من العاملين في خدمة الاصطفاف- الفاليت – ، وسيطلب من أحدهم وضع قطعة ” حشيش ” في سيارته ، وأنهى كلامه بقوله : “كانك زلمة اعرف اخلص منها” ، وأصبح يعيش في حالة خوف وذعر ، ويرفض اللجوء لأي جهة لحمايته ، لعدم إيمانه بجدوى ذلك ، وما زال الرعب مستمرا، وانعدام الامن مسيطرا على حياته.

وقصة أخرى من تلك المآسي بطلتها سيدة ” جرجروها” بالمراكز ، وتعرضت للإساءة اللفظية ، على خلفية شكوى ازعاجات هاتفية ، لتكتشف بعد ساعات أن المسؤول التبس عليه الأمر بين المكالمات الصادرة والواردة ، وأنها ضحية ، وبعد أن عاشت لساعات متهمة تحولت إلى ضحية.

ومن تلك القصص المفزعة قصة أحد الشباب الذي أوقفته مجموعة بلباس مدني ، وانهالت عليه بالضرب والشتم ، وتم احتجازه وإطلاق سراحه ، وما زال يجهل السبب !.

واختم تلك المصائب التي تحل بالمواطنين بما حصل لذلك الزوج ، الذي تلقى عدة لكمات على وجهه ، على مرأى من زوجته وأطفاله ، لتأخره بالامتثال لأوامر إحدى الدوريات الخارجية بضعة أمتار ، مما اضطره الرجوع إلى الخلف (ريفيرس)، وعلى الرغم من مرور وقت طويل على هذه الحادثة ، إلا أنها أثرت على نفسيته ونفسية أبنائه الذين يحملون مشاعر ساخطة ومعادية.

القاسم المشترك بين هذه القصص التي وصلتني ، أن جميع الرواة ختموها بقولهم عبارات تعبر عن مدى حنقهم وغضبهم، اذ الغل أصبح يملأ صدورهم ، والشعور بالظلم يلازمهم ، والثقة بالعدل والعدالة غائبة ، وداخل كل واحد منهم بركان من الغضب يُخشى ، كما نخشى نحن جميعا من أن يثور يوما ما بسبب الظلم الذي تعرضوا له ، إلى جانب مشاعر الخوف التي ترافقهم من المستقبل ، لما قد يتعرضون له من قصص مماثلة .

ورغم الاجراءات التي تحرص من خلالها مديرية الأمن العام على منع مثل هذه الحالات بفتح خط ساخن للشكاوى ، أو تلك القرارات الحازمة التي صدرت عن محكمة الشرطة اخيرا أدانت فيها عددا من أفرادها لاعتدائهم على مواطنين ، من باب حرصها على إيقاع العقوبة الأقصى بحق كل من يثبت تجاوزه للقانون ، الا انه الحذر الحذر من الخوف الساكن فينا، من ممارسات غير مسؤولة في ظل غياب العقاب والحساب العادل، وعدم الرهان على مقدار الخوف الساكن فينا على مصلحة الوطن الحبيب واستقراره.

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى