الخطر الكامن في الباب الثامن / يوسف غيشان

الخطر الكامن في الباب الثامن

في قديم الزمان، لكن ليس في غابر الأجيال، كانت مدينة قرطبة الأندلسية تحت الحكم العربي في أواخر عهده،وقد حاصرها الملك الإسباني فرناندو الثالث، وأحكم الطوق عليها.
كان للمدينة سبعة أبواب، بعضها ما زال قائما حتى الان، لكن الحصار الشديد منع أهلها من القدرة على استعمال الأبواب، ولم تعد الخراف والماعز المنتشرة بكثرة قادرة على الخروج بمعية الرعيان الى البراري المحيطة لممارسة الرعي.
اقترح اهل المدينة على الحاكم العربي للمدينة أن يفتحوا بابا سريا في منطقة وعرة من السور، حتى يستطيعوا ارسال ماشيتهم الى المراعي، وتدبير شؤونهم الحياتية الأخرى. أعجب الإقتراح الحاكم وأمر بفتح الباب، فصارت الماشية تذهب وتعود من المراعي (سرّي مرّي).
لكن حساب السرايا لم يطابق حساب القرايا، كالعادة في كل زمان ومكان، فقد عرف الجنود الإسبان بأمر الباب، بعد أن لاحظوا الحركة النشطة للكائنات الحية من تلك المنطقة، فتسلل 12 جنديا من ذلك الباب المستحدث، وقتلوا الحامية، واقتحم جيش فرناندو الخامس المدينة واحلتها ونهبها.
وقبل ان يهرب االحاكم العربي من قرطبة أطلق حكمته التاريخية: (ما كان أغنانا عن هذا الباب!) فاعجبت العبارة الإسبان، واطلقوا على ذلك الباب اسم(اكسكوساداExusada ) وتعني بالإسبانية الباب الذي لا فائدة منه، لم يبق لباب اكسكوكادا من أثر، عدا الإسم والقصة التاريخية، لكن باب المدوّر الذي دخل منه فرناندوا الى المدينة، بعد فتحها، ما تزال بعض آثاره باقية .
اختفى الباب لكن فكرة الأكسكوسادا ما تزال باقية فينا، ونحن نكررها كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وثانية وثالثة، ولم نستفد من اخطائنا قط، بل نحن نستثمر في اخطائنا، ونسلّمها حاضرنا ومستقبلنا..ولحانا.
نحن –العرب-…نحن – ما غيرنا- من يفتح الأبواب التي لا فائدة منها لنا، لا بل أننا نعبّدها على حسابنا، ونرشمها بعواميد الكهرباء، حتى يستطيع من يريد ان يقتحمنا ليلا او نهار، سرا او جهارا، الوصول الى بغيته بكل راحة واطمئنان،لا بل اننا نبني له الاستراحات والبوفيهات المفتوحة ونوزع السناكات المجانية على الطريق، لغايات إراحة المحتل من وعثاء السفر، لا بل اننا نضع الشرطة والحراسات في خدمته، حتى لا تضايقه الجماهير.
هل بالغت؟؟؟؟
إحكولي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى