الخبز والأمن / سهير جرادات

الخبز والأمن
سهير جرادات

امتاز رغيف خبزنا العربي بشكله الدائري؛ مما أكسبه خاصية اللف والدوران ، والسرعة في الدحرجة ، ولسيطرة الحكومة على سرعته، والتحكم بالمواطن الذي يلهث خلفه ليل ونهار ليوفر ثمنه ويقدمه لعائلته، ربطت الحكومات الرغيف بخيط “وهمي” أطلقت عليه اسم “الأمن والآمان” ، مع الامساك بطرفه الثاني بيدها حتى تتحكم بالعباد من خلال زعزعة الشعور بالأمن كلما أرادت أن تمرر قرارا ، حتى تضمن أن لا تلقى قراراتها أي معارضة أو اعتراض .

لا شك أن رغيفنا يعد خطا أحمر يحدد علاقة الحكومات بالمواطن ، وهذا ما ادركه الجميع ، خاصة بعد الأحداث التي شهدتها ساحتنا الداخلية من احتجاجات ومظاهرات غاضبة عقب اتخاذ حكومات سابقة قرارات برفع أسعار الخبز ، فما زالت حاضرة في الذاكرة ” هبّة نيسان” أو ما عرفت بـ ” ثورة الخبز” أو ” ثورة الجياع ” التي انطلقت في الخامس عشر من شهر نيسان من عام 1989 من مدينة معان جنوبي المملكة ، وانتقلت إلى الكرك والسلط وإربد ، ولم تهدأ إلا بعد أن اسقطت الحكومة ، وأقيل رئيسها زيد الرفاعي .

ولم تكن هذه المرة الأولى والأخيرة التي يحتج فيها الموطن على رفع أسعار رغيف الخبز ، بل تلاها في الثامن عشر من شهر آب من عام 1996 رفض شعبي لسياسة التجويع الحكومي ، التي انتهجتها حكومة عبدالكريم الكباريتي ، عندما أصدرت – استجابة لصندوق النقد الدولي – قرارا برفع سعر كيلو الخبز إلى 25 قرشا ، إلى أن أسقطت القرار” انتفاضة الخبز ” التي انطلقت من الكرك وامتدت إلى معان والطفيلة وصولا إلى اربد الحكومة صاحبة شعار ” الدفع قبل الرفع “.

مقالات ذات صلة

تلك الأحداث ولدت تخوفا لدى الحكومات من اتخاذ قرار برفع سعر رغيف الخبز، كونه قد يكون فتيل اشتعال لاحتجاجات شعبية ، تؤدي للمطالبة بإسقاطها ، مما قادها إلى البحث عن قصة تحويل اهتمام المواطنين وتركيزهم، وتوجيه أنظارهم عن القضية الأساسية ، التي تمس قوتهم اليومي برفع الدعم عن الخبز ، وزيادة أسعاره بصورة جنونية ، لا تتناسب مع الدخول المحدودة ، وارتفاع نسبة البطالة .

لهذه الغاية ، ربطت الحكومات رغيف الخبز بخيط رفيع ، حتى تتمكن من شده في كل مرة تقرر فيها رفع سعره ، لتضغط من خلاله على المواطن القبول بالأسعار الجديدة ، بعد أن تشعره بالتهديد باستقراره الأمني ، وتضعه في أجواء مفاضلة بين القبول برفع سعر الرغيف وبين الحفاظ على الأمن والاستقرار ، بعد أن تنشر القصص التي من شأنها ترعيب المواطنين من حدوث أي خلخلة في المنظومة الأمنية- لا قدر الله – تفقده استقراره المنشود.

إن لعبة شد الخيط التي تمارسها الحكومة كلما ارادت رفع اسعار رغيف الخبز ، أصبحت مكشوفة للمواطن الذي يتمتع بدرجة كبيرة من الوعي ، وكشف انها لعبة غير مقنعة تستعملها الحكومة وسيلة لاجباره الصمت على الجوع مقابل التمتع بالأمن، الذي يتحقق أكثر مع الشبع.

دام الأردن قويا ، منيعا على أعدائه ، والمتربصين به .

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى