الجهـــــاز / يوسف غيشان

الجهـــــاز
أخيرا وليس آخرا , تمكن مخترع أردني شاب من ابتكار جهاز الكتروميكانيكي كهرومغناطيسي جيوفيزيائي أنثروبيولوجي قادر على تحديد وتخصيص وتعيين المواطن المناسب في المكان المناسب، بكل نزاهة وعلمية وبدون أية إنحيازات إقليمية أو عشائرية أو مناطقية أو خنفشارية.
أعلنت الأفراح والليالي الملاح بين الناس والعباد بعد أن وصلهم كتالوج الجهاز الذي تم توزيعه بواسطة الطائرات العمودية والسمتيات.
الوالدة الرؤوم تنبأت بأن يتم تعييني – حسب الجهاز- مديرا لدائرة الرقابة والتفتيش , على الأقل ، على اعتبار أنني – حسب اعتقادها ،وعلى طريقة القرد بعين أمه راغب غلامه – أتميز بالنزاهة ونظافة اليد والجيب، وكل شيء عدا اللسان . أما أخي الأصغر الذي يمتاز بالأناقة المفرطة ، ويغتسل يوميا ويرتدي ربطات العنق فاقعة الألوان ،فلم تقبل له اقل من منصب وزير الشؤون الاجتماعية ، لأنها تعتقد جازمة بأن مهمة هذه الوزارة تقتصر على التوديع والاستقبال والاجتماعيات والمجاملات وطق الحنك، وربما كانت تطمع في أن يدبرها براتب من صندوق المعونة الوطنية.
الوالدة الرؤوم، عينها، وزعت – رغم بخلها التاريخي – الحلقوم والحلويات البيتية على نسوان الحارة ، وشاركت الوطن أفراحه الكبرى في تركيب هذا الجهاز المحوري العملاق، وكم زغردت حتى التهب لسانها وشحط صوتها حينما أعلنوا عن تشكيل هيئة عليا للأشراف على الجهاز وتشغيله.
لكن ، وبعيد إعلان أسماء الكادر ألإداري ، اشتغلت الواسطات والهواتف والخليوية ،وانتشرت الزيارات والأوراق الموقعة من الوجهاء ، وتفجر الكرم الحاتمي فجأة ، فكثرت الولائم والعزائم والحفلات لأعضاء لجان تشغيل الجهاز وأقاربهم ومن( يمون) عليهم لغايات (المساهمة) في تشكيل الكادر الوظيفي لهيئة تشغيل الجهاز (ما غيره).
…وهكذا اشتغل الجهاز بهذا الكادر الوظيفي كامل الدسم ، وتفاجأت أمي وتفاجأ معظم المواطنين ، بمن فيهم مخترعه ، بأن الجهاز قد أكد بما لا يدع مجالا للشك بأن كل موظف معين سابقا هو بالضبط الكائن المناسب في المكان المناسب تماما ، وان الذين تم رفضهم ممن يمتازون جميعا بعدم الكفاءة وعدم النزاهة وعدم الأحقية ، وان العاطلين عن العمل هم عاطلون فعلا ولا يستحقون ، ولن يتم منحهم فرصة تلويث المكاتب الحكومية وأجهزة الدولة.
الغريب ، وما غريب إلا الشيطان، أن ما حصل في الأردن حصل مثله تماما ،مع اختلاف أسماء الأشخاص وتوزيعاتهم العشائرية والدينية والإقليمية والأثنية والحزبية والعشائرية.
حصل هذا في تونس والمغرب والسعودية وسوريا وليبيا والمنطقة التي تسيطر عليها جبهة البوليساريو في الصحراء المغربية …. ببساطة حصل الأمر في جميع الدول العربية .
يا للصدفة!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
من كتابي(مؤخرة ابن خلدون)الصادر عام2006

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى