الجنون / سهير جرادات

الجنون
سهير جرادات

ذهب أحد كبار المسؤولين في زيارة تفقدية لأحد المراكز الإيوائية الخاصة بأصحاب الاعاقات العقلية والذهنية ، والذي يطلق عليهم شعبويا تسمية ” المجانين ” ، للإطلاع على ما يُقدم لهذه الفئة من خدمات طبية ونفسية ، تتناسب وحالتهم المرضية .

وتجول هذا المسؤول رفيع المستوى بين الأقسام المختلفة في المركز ، والتي تم تصنيفها ب ” البسيطة ، والمتوسطة ، والشديدة جدا ” ، ورغم تصنعه بعدم الاكتراث، وإظهار قوته وقدرته على تحمل رؤية الحالات الشديدة من أصحاب الاعاقات العقلية ، إلا أن الذهول كان واضحا على نظراته، رافقه حالة خوف مبطن من حركات غير متوقعة من أحد النزلاء.

بعد أن أنهى جولته بين نزلاء المركز من أصحاب الحالات البسيطة والمتوسطة ، وما أن تنفس الصعداء ، حتى أشار عليه مدير المركز لزيارة القسم المخصص للحالات الشديدة ، وتحت الإلحاح والإحراج وافق المسؤول الرفيع على استكمال زيارة هذا القسم ، وما أن وصل إلى ذلك القسم المشؤوم ، حتى بدأ يسمع الصرخات الهستيرية التي تصدر من بعض النزلاء ، وأكمل مسيره بالتنقل داخل القسم ،وكان الخوف يملأ قلبه، وبدأ الرعب يظهر على وجهه ، إلى أن وصل إلى غرفة مكتوب عليها الحالات الشديدة جدا .

مقالات ذات صلة

وبعد أن أحرجه مدير المركز بدعوته للدخول إلى الغرفة ، دخل هذا المسؤول وهو بحالة رعب شديد ،ووجد نفسه يقف أمام رجل بجانب الحائط ، بكامل هيبته ، وهندامه الأنيق ، واضعا أذنه على الجدار، ويقف بكل احترام وهدوء ودون أي حركة.

تعجب المسؤول من هذا المنظر ، وهذه الحالة ، وبعد أن استفاق من هول ما رأى من الحالات المرضية ، بادر بسؤال الرجل ، ماذا تفعل هنا ؟ ولماذا تنصت إلى الحائط ؟ فأجابه الرجل بصوت منخفض: قف بهدوء ، وضع أذنك على الحائط ، وأغمض عينيك ، وخذ وقتك وأنت تنصت جيدا .

استجاب المسؤول لطلب الرجل ، ووقف دون أي حراك ، ووضع أذنه على الحائط ، وأخذ يستمع بكل هدوء ، ولما طالت فترة الهدوء والصمت، التي امتثل لها، بناء على طلب ذلك النزيل في قسم الحالات الشديدة ، حتى شرد ذهنه بمواضع الساعة وما يحصل من أحداث ، فخطرت على باله الانتخابات الأمريكية ، التي جاءت نتائجها مغايرة لاستطلاعات الرأي ، وكيف نجح من كان متأخرا رقميا في كل التوقعات ، وخسرت من تقدمت عليه !، وهذا بحد ذاته يمكن تفسيره باحتمالية أن تكون الشركات التي قامت بتنفيذ الاستطلاعات حرفت وغيرت النتائج لتؤثر على الرأي العام ، لكن النتائج الصادمة للعالم بأسره ؛ أكدت أيضا أن هناك رغبة للشعب في تجربة أي جديد ، حتى لو لم يكن يرتقى إلى حد الطموح والمأمول ، وأخذ هذا المسؤول؛ بمقارنتها بنتائج انتخاباتنا المحلية ، التي جرت مؤخرا، وجاءت نتائجها صادمة أيضا ، في عدم فوز بعض الرموز والأسماء التي كانت مقاعدها ثابتة تحت القبة منذ سنوات ، وفكر في كلمات الرئيس الأمريكي ، فور صدور نتائج الانتخابات ، بقوله : كلنا أميركان ، ولسنا فقط جمهوريين أو محافظين ! ، وأضاءت في ذاكرته تلك الصور التي تملأ شوارعنا ، وعلى دواوير عمان ذات الجبال السبعة ، وتشير إلى مبادرة : ” احنا الشعب الواحد ” .

وفجأة ، رفع المسؤول رأسه على صوت الرجل وهو يسأله : ماذا تسمع ؟ ، فأجابه المسؤول : لا شيء ، فرد الرجل : ” مش أشي بجنن ” !!..
Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى