هل الربيع يشتكي ؟ / ماجدة بني هاني

هل الربيع يشتكي ؟

منذ أن بدأت الكتابة في سواليف ، لم أعتد أن يمضي أسبوعا دون أن أرسل شيئا للقراء !!
إلا أنني منذ أيام أخضع لحالة من الصمت ، هي حالة ترافقني منذ طفولتي قد تمتد أياما ، لموقف صادم ، أو خيبة ما ، أو حسابات خاطئة ، تخيم إثرها على روحي غيمة من حزن توشح كل شئ بالسواد ، وتدخل في التأمل والسكون ، إلى أن يحدث ما يخرج عن هذا الصمت ، فجأة ، يبدأ نزف البوح ، وتنبع الكلمات من جديد ……

بالأمس …وأنا في شرفتي ، سمعت جلبة ، ورأيت فوضى ، الأشجار هائجة مائجة ، والأزهار باكية ، وبساط الربيع المخملي ما عاد يلقى ، والطيور والفراشات غضبى ، في اجتماع بائس ، وشدو يائس ، يصرخون بلهفة : أمانا أيها الربيع لا ترتحل …..
ليس يسمع نوح الربيع في حينا سواي ، كل من حولي غائبون ،لاهون ،غير أني مأخوذة ؛ فالهمس في أذني صرخة ، والعجمة شرح مفصل ، ربما لأني نيسانية المولد ، زهرية الرؤى ، أرتشف رحيق الجمال كما تفعل النحلة ، وأكتوي بشمس الظهيرة كما تكتوي خدود الورد وأتعدى شكوى البشر ، إلى النسائم والزهر !!
قبل أيام ، اخضوضر اللوز وأزهر ، وأثقلت أغصانه وأثمر ، ثم بعد برهة ألقى كل ما لديه …لم يكترث قاطفوه بثمرة كبيرة أوصغيرة …ولا بورقة قديمة أو وريقة واعدة ؛ تمزقت أغصانه وتركت كسيرة ، خجلة من عريها ، لم تكد تفرح بكسائها ،وخصبها….
حتى الطيور في أوكارها ، لم تسلم من حجارتهم ، ولا من فضولية نظراتهم إلى بيضها ، وانتظار أفراخها ، كأن ليس من حقها أن تهنأ بدفئها ، وليس للعصفورة حق أن تعيش أمومتها ، بعيدا عن العبثية والمتطفلين !!
الزهر الملون ، المبعثر في أرجاء الحقل ، لم يسلم من الدوس ، كم من خدود وردية سحقت تحت نعالهم ، وكم من أكمام لم ينتظروا أن تطل الزهرة من جوفها ، هتكوا حجابها !! وأخرجوها عنوة ، ثم بكل تفاهة اعتصروها بين أصابعهم و ألقوا بها في الأرض بلا حياة ….
تشكو ورود الربيع إلى الإله …طمع البشر ، وظلم العاشقين العابثين …

الفراشات الساحرة ، لم يكفوا عن مطاردتها بدعوى عشق الجمال …
والنحلات الكادحة لم ينتهوا عن ملاحقتها ، وكشف مخابئ كنزها ، وقوتها كل ما لديها …
لو يدرون مقدار شقائها في جمعه لتركوه لها !!!
لو علموا أن لا ثمن يعادله من عرقها لتأكدوا بأنه يباع بأبخس الأثمان !!
الله ولي النعمة ، تشكو اليه النحل ما اقترفت يد الانسان …
حتى النسائم حائرة ، تبث الطيب حينا ، تنفث الحر أحيانا ، وما بين برد وحر ، قلوب تنكسر ، وبراعم تنتحر ، وغيمات هازئة تظهر ثم تستتر ..
في كل يوم يمضي ، تيبس آلاف الأعشاب ، والربيع يعد العدة للأرتحال !
ما أقصر عمر الربيع ! وما أطول فصل الشقاء !!
ولكن من المؤسي أن يرتحل على أمل اللقاء ، فليس بيده أن لا يعود ، الأمر موكول إلى رب السماء ….

مقالات ذات صلة

أيها القارئ الكريم ، أن اشتكيت باسم الربيع فلا تلمني ، ولا تتهمني بالجنوح في الخيال ؛ فحياتنا لم تعد تحتمل ، وقلوبنا باتت خواء ، وما الربيع إلا نحن ولكن بأثواب أحلى.. وأوهام أقل …
متابعي الكرام ، أذا بحثتم عن مقالة لي في مقبل الأيام ، على صحيفتكم الغراء ، ولم تجدوها ، فاعلموا رعاكم الله ، أن كلماتي عادت لسباتها القديم ، وأن ثمة
صمت يغلف الروح ويلف المكان ..وفي الختام عليكم من الله السلام وإلى اللقاء .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. ارى بين كلماتك اشارة الى النهاية….لانك ربيعية نيسانية المولد…وتشيرين الى رحيل هذا الربيع….كنت في بداية مقالتك اشعر بحجم شاعريتك واحساسك المرهف…الا انك احزنتني جدا في النهاية اتمنى ان تكون فترة حزن مؤقته وان تعودي الى الكتابة فقد اعتدنا على حرفك الراقي ومعانيك الجميلة …ارجو ان تعودي قريبا

  2. الزهر الملون ، المبعثر في أرجاء الحقل ، لم يسلم من الدوس ، كم من خدود وردية سحقت تحت نعالهم ، وكم من أكمام لم ينتظروا أن تطل الزهرة من جوفها ، هتكوا حجابها !! وأخرجوها عنوة ، ثم بكل تفاهة اعتصروها بين أصابعهم و ألقوا بها في الأرض بلا حياة ….
    تشكو ورود الربيع إلى الإله …طمع البشر ، وظلم العاشقين العابثين
    اجمل جزئية في المقال تغيبين وكلما طالت غيبتك عدتي بالاجمل والاعذب من الكلام كلمات رائعه ووصف رقيق مذهل من اجمل مقالاتك هذا المقال وبحكم حبي واعجابي لابي القاسم الشابي لمست تشابه بينك وبينه بالاسلوب وهو شاعر يملك من الاحساس ما لا يملكه احد وانتي حساسه مفعمه بالرقة تماما مثله ….
    بانتظار جديدك

  3. ذاك الاسلوب الراقي الذي كتبت به كلماتك بتلك المشاعر والاحاسيس المرهفه والذي وصفت به واقع مجتمعنا اللئيم…
    ايتها الماجدة “ماجده” اشكرك على ما قدمته لنا من مقالات وكلمات لمست القلب
    وتيقني اننا بانتظارك بعد كل غياب …!

  4. لم نعتد أن نرى أو نسمع من يجسد شكوى الربيع ، هي صور مبتكرة ، وحس رائع ، ولغة في منتهى الروعة والأتقان ….لن تتوقفي عن البوح أديبتنا ، صح …
    اعتدنا على إبداعك وصرت ملهمتنا في الكتابة …وما زلنا في أول الطريق ، لك كل الدعم ولنا منك كل الباقات الجميلة .. ودمتي لنا !!

  5. العزيزه ماجده …
    سلمت يداك على هذه الكتابه … ومثلها الكثير …من اجمل وارقى ..واعذب الاحاسيس …..مرهفه…تجمعين تناقض جميل …..حزن وفرح …ضعف وقوه…هدوء مزعج ….نيسانه العام …تعيد نفسها كل عام…بنفس الرونق …بنفس العذوبه….والشغف ….
    ست ماجده ….يا نيسانه سواليف ….نريد ان نرى المزيد من كتاباتك ….لان نيسان يا ماجده يخفي وارءه…..ليالي الصيف الرائعه …وقدوم الاحبه…….حراره الطقس يطفئها لهيب لقاء الاهل باولادهم المغتربين ….
    لا تنسي ان نيسان شهر ثابت …وله وزن كبير بين اشهر السنه …..باختصار نريد ان نقرأ المزيد..والمزيد..

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى